للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الرابع إعجاز القرآن]

لكلّ رسول معجزة كدليل على نبوّته ورسالته، وأنه مرسل من قبل ربّه، إذ دون ذلك لا تقع حجة الله على الخلق بالإيمان برسله، فمهما سمت أخلاق الرسول وعلت همته، وجادت قريحته، وتوقد ذهنه، وإن اقتعد المكانة الأولى في قومه، فإن كلّ هذا لا يكفي دليلا على أنه مرسل من قبل الله، فلا يمكن للعقل أن يصدّق ويذعن ويعترف بأن هذا رسول إلّا بما يظهره الله على يديه من معجزات، فيخرق له السّنن الكونية، أسبابا ومسببات، إذ المعجزة هي الأمر الخارق للعادة، وهي خارجة عن الأسباب المعروفة، هادمة للنتائج المبتناة على المقدمات، فالنار مثلا حارقة عادة، ولكنها أصبحت بردا وسلاما على سيدنا إبراهيم، فالذي جعلها حارقة على وفق السّنن والقوانين التي نعرفها هو الذي جعلها تكون بردا وسلاما، فكانت بذلك معجزة لإبراهيم عليه السلام ودليلا على نبوته.

والمقصود من المعجزة: ليس هو إعجاز الناس لذات الإعجاز، أي لمجرد إيقاعهم في العجز عن الإتيان بمثل المعجزة، بل المقصود: هو الإذعان والإيمان بصاحبها أنه رسول من قبل خالق هذه السنن وهو الله تعالى.

لذا فإن الله تعالى قد بعث كلّ رسول إلى قومه، وأظهر على يديه المعجزات التي من شأنها أن تجعل قومه يدركون إدراكا يرفع عنهم كلّ لبس وغموض، أن هذا رسول من عند الله، وليس بمدّع عليه، لذا كانت معجزات كلّ نبيّ ورسول نابعة من بيئته، ومتناسبة مع أحوال قومه، فتأتيهم على وفق ما برعوا فيه حتى يكون ذلك أدعى لإيمانهم، ولإقامة الحجة عليهم، لأن المعجزة لا تحقق الغاية منها إلّا إذا حصل التحدي بها، ولا يتحقق التحدي لأمة من الأمم وهي لا تعرف شيئا عن المتحدّى به.

وإن المتتبع لآيات القرآن الكريم، والمتدبر لآياته التي تتحدث عن المعجزات بوجه عامّ لتبرز له كل هذه المعاني التي أشرنا إليها.

<<  <   >  >>