للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والدين الجديد الأخير الخالد، وربما أمكننا هنا إيراد كلمة سيدنا عمر رضي الله عنه عند ما قال: (إنه يخشى أن ينقض عرى الإسلام عروة عروة من لم يعرف الجاهلية وأحكامها).

وليس من شك في أن استعراض هذه الآيات الكريمة التي نسخ حكمها يقف بنا على طريقة القرآن الكريم في تربية هذه الأمة- بوجه عام- تربية عملية واقعية متحركة، لا تجمد عند بعض الوسائل لا تتخطاها ... ، أو بعبارة أخرى: نحن نأخذ الآن فلسفة هذا الموقف من خلال الحكمة العملية التربوية فيما وراء الحكم المنسوخ لنفيد منه في مخاطبة الناس، وفي محاولة التغيير ... وفي الوقوف على الكثير الكثير من سنن الله عزّ وجلّ في النفس والمجتمع، وفي وسائل الدعوة وطرق الإصلاح، وتقف الآيات

المنسوخة في هذا الباب هدى ومعالم بارزة ... كأعمق ما يكون الهدى، وأوضح ما تكون المعالم (١).

[٢ - منسوخ التلاوة دون الحكم:]

استدل القائلون بجواز نسخ التلاوة مع بقاء الحكم بما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: (كان فيما أنزل آية الرجم يعني: «الشيخ والشيخة إذا زينا فارجموهما البتة» قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله ورجمنا بعده) (٢).


(١) علوم القرآن ص ٢٠٤.
(٢) قال أستاذنا الشيخ محمد الصادق عرجون في كتابه محمد رسول الله: (وقد بينا بيانا شافيا أن ألفاظ ما زعموه آية قرآنية نزلت في وجوب حد الرجم لمن زنى بعد إحصان في رواياتهم (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله) لم تكن قط من ألفاظ القرآن ولا ألفاظ الحديث الشريف، فلم يستعملا كلمة (الشيخة) في معنى الإحصان ولا كلمة (الشيخ) في هذا المعنى، وكذلك كلمة (البتة) لم ترد في القرآن الحكيم البتة، لا فيما ثبتت قرآنيته بالتواتر ثم نسخ، ولا فيما أحكم فلم ينسخ منه شيء.
هذا وجه إن لم يدلّ صراحة على بطلان الرواية فهو دال على استبعاد نزول آية قرآنية في زعم من رواها قرآنا بألفاظ طرحها القرآن والحديث فلم يستعملاها في المعنى المقصود للرواية، وهذه وجهة لفظية ترجح إلى خصائص القرآن في ألفاظه وملاءمتها في الفصاحة ولطف الأداء، وهي كافية في إلقاء الشك في قرآنية هذا الكلام.

<<  <   >  >>