للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ترجيحها، وإن كان ينوه بذلك أحيانا، على أنه كان يحيل القارئ لينظر هذه الأدلة والحجج في كتب الفقه ومصنفاته (١).

[موقفه من الإسرائيليات والرد على الفرق:]

لقد أدرك أبو حيان خطر الروايات الإسرائيلية، لأنها لا تقوم على سند صحيح، ولم يوافقها نص من الكتاب ولا من السنة الصحيحة، فسلك في كتابه البحر المحيط مسلكا عني فيه بالتنبيه على الكثير منها، والإشارة إلى ضعفها وفسادها، وحذر القارئ من الاغترار بها وتصديقها، ودعا إلى تركها.

صرح بذلك في مقدمة تفسيره، فقال: «إن الحكايات التي لا تتناسب والتواريخ الإسرائيلية لا ينبغي ذكرها في علم التفسير» (٢).

فقد ضرب صفحا عن الإسرائيليات، مشيرا إلى بطلانها وتفاهتها، وكان أحيانا يذكرها بإيجاز ثم يتصدى لها بالرد مظهرا زيفها، مشيرا إلى ما تقوم عليه من خرافات وأباطيل، لا تتفق مع العقل السليم والنظر السديد، فضلا عن أنها تتنافى مع العقيدة وعصمة الأنبياء، ثم ينوه في آخر الأمر إلى أن سبب ذكرها هو التحذير منها، وعدم الوقوع في شراكها، والأدلة كثيرة على هذا الموقف، ففي تفسيره قوله تعالى:

.. وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ .. [البقرة: ١٠٢].

ردّ ما أثير حول الملكين وما جرى بينهما، وما إلى ذلك من القصص فقال:

«وقد ذكر المفسرون قصصا فيما يعرض من المحاورة بين الملكين، وبين من جاء ليتعلم منهما، ومن تلك القصص: أنهما يأمران بأن يبول في تنور، فاختلفوا في الإيمان الذي يخرج منه أيرى فارسا مقنعا حتى يغيب في السماء، أم نورا خرج من رماد يسطع حتى يدخل السماء، أو طائرا خرج من بين ثيابه وطار نحو السماء، وفسروا ذلك الخارج بأنه الإيمان، وهذا كله شيء لا يصح البتة، فلذلك لخصنا منه شيئا وإن كان لا يصح حتى لا نخلي كتابنا مما ذكر» (٣).


(١) أبو حيان، البحر المحيط ١/ ٤.
(٢) أبو حيان، البحر المحيط ١/ ٥.
(٣) أبو حيان، البحر المحيط ١/ ١٣٣.

<<  <   >  >>