إهمالهما من كل الوجوه وادعاء النسخ فيهما، لأن النسخ على خلاف الأصل ... وما كان خلاف الأصل لا بد من بيّنة عليه، وإلّا لم تقم به حجة، وهذه الحجة: إما أن ينص اللاحق على أنه ناسخ للسابق لفظا أو دلالة، كما سيأتي ذكره في آيات المناجاة، أو آيات الزنا، أو ما ورد في الحديث الشريف:«كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها».
وإما أن يكون بين النصين تعارض بحيث لا يمكن التوفيق بينهما، فينظر في النصين المتعارضين، فإن كان أحدهما معلوما وقطعيا والآخر مظنونا فالعمل بالمقطوع واجب.
وإن كانا معلومين مقطوعا بهما، أو ظنيين في درجة واحدة من القوة، ينظر إلى القرائن، كأن يكون أحدهما متأخرا عن الآخر فيكون المتأخر ناسخا والمتقدم منسوخا.
وقد يعرف التاريخ (مثلا) من إسناد الراوي كأن يقول: هذا الحديث في غزوة كذا أو سنة كذا، أو يقول نزلت هذه الآية في مكة والأخرى في المدينة أو نحو ذلك.
أما إذا جهل التاريخ فلا نسخ، إذ إن أحدهما ليس بأولى من الآخر بالنسخ، وكل من ادعى غير ذلك فقوله مردود لعدم معرفته التاريخ.
أقول: لم أطلع على دليلين قطعيين «أعني قطعي الثبوت وقطعي الدلالة» قد تعارضا من كل الوجوه.
أما في الأدلة الظنية التي وقع فيها التعارض، فالقرائن لا تحصى في إعمالها، فنلجأ إليها، وإن تعذرت فالقرائن كثيرة، كذلك في تقديم أحد الدليلين ونسخ أحدهما.
[أنواع النسخ:]
جرت عادة علماء التفسير والأصول أن يذكروا للنسخ أنواعا ثلاثة: ١ - نسخ الحكم دون التلاوة. ٢ - ونسخ التلاوة دون الحكم. ٣ - ونسخ الحكم والتلاوة معا- وقد يكون ولعهم بالتقسيم والتبويب هو الذي شجعهم على اعتماد مثل هذه الأقوال