للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحكم ينتهي بانتهاء وقته، فلا يقال لهذه الغاية الدالة على انتهاء الحكم: إنها نسخ، وذلك لاتصالها بدليل الحكم الأول، وهكذا يقال في كل حكم مؤجل بأجل، إذ لا يعني انتهاء أجله أنه نسخ.

[دليل مشروعية النسخ:]

جاءت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنّة وإجماع الصحابة بيّنة واضحة تدل على جواز النسخ ووقوعه.

١ - أما الكتاب: فقوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ..

[البقرة: ١٠٦].

وقد فسرها جمهور المفسرين، واستدل بها جمهور الأصوليين، وهي من أقوى الأدلة على جواز النسخ.

يقول إمام المفسرين ابن جرير الطبري: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أي: ما نبدّل من حكم آية فنغيره، وذلك بأن يحوّل الحلال حراما والحرام حلالا، والمباح محظورا، والمحظور مباحا، ولا يكون ذلك إلّا في الأمر والنهي، والحصر والإطلاق، والمنع والإباحة .. فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ. أما قوله: أَوْ نُنْسِها فمعناه نتركها فلا نبدّلها. وأما قوله: نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها فمعناه: نأت بحكم خير لكم من حكم الآية التي نسخناها، ولا شكّ أن الخيرية تتحقق بالنسبة للناس في الدنيا، إذا كان الحكم الجديد أو الناسخ أخفّ من الحكم المنسوخ، وتتحقق أيضا إذا كان فضلا بالنسبة للآخرة حيث إن الثواب أجزل.

والدليل الثاني: قوله تعالى: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [النحل: ١٠١].

قال الزمخشري: تبديل الآية مكان الآية هو النسخ، والله تعالى ينسخ الشرائع بالشرائع لأنها مصالح، والله تعالى عالم بالمصالح والمفاسد، فيثبت ما يشاء وينسخ ما يشاء بحكمته، وهذا معنى قوله: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ.

<<  <   >  >>