للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - أما السنة: فقد دل قوله صلّى الله عليه وسلّم على جواز النسخ فقد صح الحديث: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها» (١). وليس معنى الحديث إلّا القول بجواز زيارتها بعد النهي عن ذلك، والنسخ لا يعني أكثر من ذلك، أن يحوّل الحرام حلالا، والمحظور مباحا على حد قول ابن جرير الطبري.

٣ - أما إجماع الصحابة: فقد انعقد على أن شريعة محمد صلّى الله عليه وسلّم ناسخة لجميع الشرائع السابقة، وانعقد إجماعهم على نسخ وجوب الوصية للوالدين والأقربين بآية المواريث، فإجماعهم على ذلك دليل شرعي على النسخ.

٤ - وأما الدليل العقلي: فإن وقوع النسخ بالفعل هو أدلّ دليل على وجوده وعلى جوازه.

وعلى الرغم من تضافر الأدلة على النسخ ووقوعه. فإننا وجدنا أن طائفة من المنتمين للإسلام قد أنكروا النسخ، كما أنكرته فرقة الشمعونية والعنانية من اليهود وتابعهم النصارى.

يقول ابن كثير: (والذي يحمل على البحث في مسألة النسخ إنما هو الكفر والعناد، فإنه ليس في العقل ما يدل على امتناع النسخ في أحكام الله، لأنه يحكم ما يشاء، كما أنه يفعل ما يريد، مع أنه وقع ذلك في كتبه المتقدمة، وشرائعه الماضية، كما أحل لآدم تزويج بناته من بنيه، ثم حرّم ذلك، وكما أباح لنوح- بعد خروجه من السفينة- أكل جميع الحيوانات، ثم نسخ حلّ بعضها، وكان نكاح الأختين مباحا لإسرائيل وبنيه، وقد حرم ذلك في شريعة التوراة وما بعدها، وأمر بنو إسرائيل بقتل من عبد العجل منهم، ثم رفع عنهم القتل، كيلا يستأصلهم- وبقوا أحياء يذيقون البشرية ألوانا من أحقادهم- ولله في ذلك حكمة وأشياء كثيرة يطول ذكرها، وهم يعترفون بذلك ويصدفون عنه) (٢).


(١) سنن ابن ماجة ١/ ٥٠١، ح ١٥٧١.
(٢) تفسير ابن كثير ١/ ١٥١.

<<  <   >  >>