أنكر أهل الكتاب- اليهود والنصارى- وقوع النسخ وجوازه، وزعموا أن النسخ يستلزم البداء، ومعنى البداء لغة الظهور بعد الخفاء، قالوا: لو جاز النسخ على الله تعالى لكان إما لحكمة ظهرت له بعد أن لم تكن ظاهرة، أو لغير حكمة، وكلا الأمرين باطل، لأن الأول بداء، والثاني عبث، والبداء والعبث لا يجوزان على الله تعالى، إذ كل منهما نقص يتنزه الله أن يوصف به (١).
ويجاب على هذا الزعم بهذا التساؤل، لماذا لا يكون النسخ لحكمة معلومة لله ولم تكن خافية عليه، أليس هذا هو القول السديد؟ بلى ... ولكن: .. كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً [الكهف: ٥].
والعجب أن الرافضة- المرتدة عن الإسلام- قد تجاوزت اليهود في كفرهم.
وصدهم عن الإسلام، فاليهود ينكرون النسخ لأنه يستلزم البداء، أما الرافضة فيثبتون النسخ المستلزم للبداء فوصفوا الله- تنزه عن ذلك- بالبداء ونسبوا ذلك إلى أئمة آل البيت زورا وبهتانا. وقالوا:(البداء ديننا ودين آبائنا).
وأعجب بعد ذلك من قول أبي مسلم الأصفهاني من متأخري المعتزلة الذي قال بجواز النسخ عقلا، ومنع وقوعه شرعا، واستدل بقوله تعالى: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: ٤٢].
وقد حذا حذوه الإمام محمد عبده ومن شايعه من المتأخرين.
هؤلاء جميعا لم يحالفهم الصواب، وليس لهم دليل إلّا التحكم العقلي. والحقيقة أننا بحاجة إلى وقفة هادئة متأملة في موضوع نسخ بعض الأحكام في شريعة رسولنا خاتم النبيين محمد صلّى الله عليه وسلّم في فترة نزول القرآن السابقة، خصوصا ونحن ما نزال نتلو هذه الآيات المنسوخة ... إلى جانب أننا مطالبون- بعد عصر التنزيل- بالأحكام النهائية التي آلت إليها الشريعة وثبتت عليها بانتهاء الوحي ووفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم، فوق ما هو مقرر ومعلوم بالبداهة عند جميع المسلمين، من امتناع وقوع النسخ بعد انقطاع الوحي.