للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأرض مكة ندّى الدمع مقلتها ... حزنا لفرقة جار الله محمود

[التعريف بتفسيره (الكشاف) وطريقته فيه:]

الكشاف- بصرف النظر عما فيه من الاعتزال- تفسير لم يسبق مؤلفه إليه، لما أبان فيه من وجوه الإعجاز في غير ما آية من القرآن، ولما أظهر فيه من جمال النظم القرآني وبلاغته، وليس كالزمخشري من يستطيع أن يكشف لنا عن جمال القرآن وسحر بلاغته، لما برع فيه من المعرفة بكثير من العلوم. لا سيما ما برز فيه من الإلمام بلغة العرب، والمعرفة بأشعارهم. وما امتاز به من الإحاطة بعلوم البلاغة والبيان والإعراب والأدب، ولقد أضفى هذا النبوغ العلمي والأدبي على تفسير الكشاف ثوبا جميلا، لفت إليه أنظار العلماء وعلق به قلوب المفسرين.

هذا وقد أحسّ الزمخشري إحساسا قويا بضرورة الإلمام بعلمي المعاني والبيان قبل كل شيء، لمن يريد أن يفسر كتاب الله عز وجل، وجهر بذلك في مقدمة الكشاف فقال: « ... ثم إن أملأ العلوم بما يغمر القرائح، وأنهضها بما يبهر الألباب القوارح، من غرائب نكت يلطف مسلكها، ومستودعات أسرار يدق سبكها، علم التفسير، الذي لا يتم لتعاطيه وإجالة النظر فيه كل ذي علم- كما ذكر الجاحظ في كتاب نظم القرآن- فالفقيه وإن برّز على الأقران في علم الفتوى والأحكام، والمتكلم وإن بزّ أهل الدنيا في صناعة الكلام، وحافظ القصص والأخبار وإن كان من ابن القرّية (١) أحفظ، والواعظ وإن كان من الحسن البصري أوعظ، والنحوي وإن كان أنحى من سيبويه، واللغوي وإن علك اللغات بقوة لحييه، لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق، ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق، إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن، وهما: علم المعاني وعلم البيان، وتمهل في ارتيادهما آونة، وتعب في التنقير عنهما أزمنة، وبعثته على تتبع مظانهما همة في معرفة لطائف حجة الله، وحرص على استيضاح معجزة رسول الله، بعد أن يكون آخذا من سائر


(١) القرّية: بكسر القاف وتشديد الراء المسكورة، أحد فصحاء العرب، واسمه أيوب والقرية اسم أمه.

<<  <   >  >>