للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونقل السيوطي عن السخاوي (١) أنه قال: (المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب من الوجوه التي نزل بها القرآن، أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) قال أبو شامة: (إنما كان قصدهم أن ينقلوا من عين المكتوب بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم) (٢).

يتضح للمتأمل أن الجدير بالقبول هو أن المراد بالشهادة فيهما، الشهادة على الكتابة بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم لا الشهادة على القرآنية، لأن القرآنية لم تكن موضع شك حتى تحتاج إلى شهادة، لكثرة الحفاظ في ذلك الوقت، بخلاف الكتابة بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم فإن كثيرا من الصحابة كانوا يكتبون القرآن لأنفسهم على حسب ما يتيسر لهم، ولو في غير مجلس النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويلاحظ أن ما قاله ابن حجر من أنه يجوز أن يكون قد أريد بالشاهدين الحفظ والكتابة، لا عدلان من الناس يشهدان، هو احتمال في غاية البعد، لأن اللفظ متبادر جدا في هذا المعنى دون ما قصه ابن حجر، والله أعلم.

وبعد فلا يفوتنا أن ندفع الشبهة التي تعلق بها المغرضون في الرواية التي أثبت بها زيد كتابة آية لم يثبتها إلّا شاهدان اثنان، وهذا كاف لإثبات عدم التواتر لهذه الآية المفقودة.

نقول: إن بعض هذه الروايات منقطع كما يقول علماء الحديث، ولو سلمنا أن هذه الروايات صحيحة، لما ثبتت الدعوى، بل على فرض أن زيدا قد أثبتها منفردا، لم يكن ذلك قادحا في تواتر القرآن، لأن التعويل في توثيق القرآن إنما هو على الرواية، والتلقي طبقة عن طبقة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع تحقيق للتواتر في الرواية دون الكتابة، بل لو لم يكتب أصلا ما قدح في تواتره، حيث نقل سماعا ومشافهة على سبيل التواتر في كل طبقة من طبقات رواته (٣).


(١) الإتقان ١/ ٢٣٨، والبيان ص ١٧٩.
(٢) المرشد الوجيز لأبي شامة، ص ٥٧.
(٣) البيان ص ١٨٢.

<<  <   >  >>