للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فضحك النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى بدت أنيابه، ثم قال: «اذهب فأطعمه أهلك» (١).

فهذان الحديثان موضوعهما واحد وهو الجماع المتعمد في نهار رمضان، والحكم فيهما واحد؛ إما الإعتاق، وإما الصوم ستين يوما، وإما الإطعام، وقد ذكر الحديث الأول صيام شهرين وأطلقهما من التفريق أو التتابع.

أما الحديث الثاني فقد قيد صيام الشهرين بالتتابع، لذا يحمل المطلق على المقيد، فلا يجزئ صيام الشهرين إلّا إذا كانا متتابعين، وإنما قلنا بوجوب حمل المطلق على المقيد في هذه الحالة، لأن العامل بالحكم المقيد هو عامل بالحكم المطلق، أما العامل بالمطلق فلا يكون عاملا بالمقيد، لذا وجب الجمع بينهما ما دام ذلك ممكنا.

أما الحالة الثانية التي اتفق الأصوليون على عدم حمل المطلق على المقيد فيها، فهي حالة اختلاف الموضوع والحكم معا، مثال هذه الحالة: قوله تعالى في كفارة اليمين في حالة عدم استطاعة الحانث في يمينه أن يطعم أو يكسو أو يعتق: .. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ .. [البقرة: ١٩٦].

فقد أطلقت الآية الصوم ولم تقيده بالتتابع، لذا يجوز التتابع والتفريق في الصيام.

أما قوله تعالى: في كفارة قتل الخطأ: .. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ .. [النساء: ٩٢].

فقيد الصوم بالتتابع، فلا يحمل المطلق على المقيد في مثل هذه الحالة لأمرين:

أولا: لاختلاف الموضوعين، إذ الآية الأولى في كفارة اليمين والثانية في كفارة قتل الخطأ.

وثانيا: لأن الحكمين مختلفان في النصين.

وهناك حالات مختلف فيها، كحالة اختلاف الموضوع أو الحكم إن وافق اتحاد أحدهما.

والخلاف طويل بين الأصوليين، يطول بنا المقام إن تحدثنا عنه.


(١) صحيح البخاري. كتاب الصوم. باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدّق عليه فليكفّر. ح (١٩٣٦).

<<  <   >  >>