وقوله: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ .. [البقرة: ١٦٥] إلى غير ذلك من الآيات المتكاثرة التي يقطع العقل بتعين معناها ويحيل إرادة غيره. كما يمكن أن يتحقق الجزم أيضا من ظهور المعنى بنفسه، بأن يكون اللفظ نصا فيه لا يحتمل غيره. فما ظنك واشتراط مثل هذا الجزم مما لا يسلم لقائله أصلا، بل إن تيسر لنا في بعض المفردات أو التراكيب فذاك وضح لنا حينئذ القطع بإرادة المعنى من الكلمة أو العبارة، إمّا من الطريق الذي ذكره، أو من الطريق الذي ذكرنا، وإلّا فلنا أن نفسر بغلبة الظن. غاية الأمر أنّا لا نقطع حينئذ بكون المعنى هو المراد لله تعالى، وبالتالي لا نطلق عبارة تفيد مثل ذلك القطع، بل نقول: إنّا لو طبقنا قانون أهل الأصول الذي لا يسع منصفا أن يدافعه، لرأينا أن الطريق الذي ذكره لتحقيق الجزم وهو الرواية لا يمكن أن يحقق الجزم أيضا، اللهم إلّا في حال واحدة هي أن تكون الرواية قطعية الثبوت في نفسها بأن تكون قرآنا، أو حديثا متواترا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو مما وقع عليه الإجماع من الصحابة والتابعين من غير نكير، وما أعز مثل هذه الطلبة، فأما حيث تكون الرواية ظنية الثبوت في
نفسها، حتى وإن تلك مما نقل عنه صلّى الله عليه وسلّم بالسند الصحيح، فهيهات هيهات لمثلها أن تحقق الجزم بالمراد، وهذا أمر يكاد يبلغ درجة البدهيات التي لا يسع ذو نصفة في الأصول ولا في الفروع أن يماري فيه. فكان على الشيخ رحمه الله- لو لزم شيئا من الجادة- أن يشترط التواتر إذن في الرواية، مع أنه لعمر الحق لو فعل لضيّق واسعا، وقال بما لم يقل به أحد، لا من السابقين ولا من اللاحقين، فهذا شأنه في التفسير.
أما التأويل فما كنا لنسلم له أصلا كذلك، إن كل دراية يجب أن تعد تأويلا، حتى لو كانت مما يقطع به العقل، أو يعينه كون اللفظ نصا لا يحتمل غير معناه بوجه من الوجوه، أو حتى يرجحه كون اللفظ ظاهرا في معناه، ولم تقم قرينة توجب صرفه عن هذا المعنى حتى يصرف عنه، بل الوجه عندنا، ولا نحسبه إلّا عند كل منصف كذلك، أن يعد هذا كله من قبيل التفسير، وأن يقصر التأويل على ما يكون استنباطه من اللفظ مفتقرا إلى مزيد من إعمال الفكرة وإنعام النظرة، أو يكون مما يستعصى