للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا تحصى، ويذهب للتدليل على رأيه بقوله تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ [الأنعام: ٣٨].

وقد ذهب بعضهم إلى كثير من المبالغة فيما يسمى بالإعجاز العلمي، حتى حملوا النصوص القرآنية ما لا تحتمله، وما لا يقبله العقل، في تأويل النصوص تأويلا متعسفا في كثير من الأحيان.

ونحن لا ننكر أن القرآن الكريم يتسع للكثير مما هدي إليه البشر، في بعض المجالات كالطب وعلم الفلك وغيرها، وقد توسعت فيه مدارك علماء التفسير فأبرزوا لنا هذه المعاني، ومدى مطابقتها للواقع، ومدى احتمال الآيات القرآنية لمعانيها العلمية، فهذه العلوم تصدق القرآن، ولكنها ليست وجوها في الإعجاز.

لهذا فإننا نحصر وجه الإعجاز القرآن في الوجه الذي تحدى به القرآن سائر العرب، نحصره في وجه واحد، ألا وهو لفظ القرآن ونظمه وبيانه، فهو الوجه الذي تحدى الله به العرب قاطبة، منذ نزول القرآن وحتى هذا الزمن، وسيبقى هذا الوجه هو الشاهد على القرآن، بنظمه وبيانه لا بشيء خارج عن ذلك، فما هو بتحدّ بالإخبار بالغيب المكنون ولا بالغيب الذي يأتي تصديقه بعد دهر من تنزيله، ولا بعلم ما لا يدركه علم المخاطبين به من العرب، ولا بشيء مما لا يتصل بالنظم والبيان.

إن ما في القرآن من مكنونات الغيب، ومن دقائق التشريع، ومن عجائب آيات الله في خلقه، كل ذلك بمعزل عن هذا التحدي المقضي إلى الإعجاز، وإن كل ما فيه يعد دليلا على أنه من عند الله، ولكنه لا يدل على أن نظمه وبيانه مباين لنظم كلام البشر وبيانهم، وإنه بهذه المباينة كلام رب العالمين لا كلام بشر مثلهم (١).

نعم لقد تحداهم القرآن بداية بالإتيان بمثل هذا القرآن: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء: ٨٨].

وتحداهم أن يأتوا بعشر سور ولو كانت هذه السور مفتريات حسب زعمهم:

أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ [هود: ١٣].


(١) علوم القرآن، ص ٢٨٨؛ والكلام من مقدمة للأستاذ محمود شاكر في مقدمة لكتاب الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي.

<<  <   >  >>