ابْن سعيد، لم يكن فِي ذَلِك بِبَعِيد؛ فَإِنَّهُ أدب النَّاس على الْحلف بِالْإِيمَان اللَّازِمَة، وَأنكر سوء الْحَال فِي الملابس، وَفرق مجتمعات أَرْبَاب الْبدع، وشدد أهل الْأَهْوَاء بالسجن وَالْأَدب، على سَبِيل فِي ذَلِك كُله من اتِّبَاع السّنة وإطراح الْهَوَاء لَهُ، وخفض الْجنَاح لأهل الْخَيْر. وَكَانَ فِي خطبه وَصلَاته كثير الْخُشُوع، لَا يَتَمَالَك من سمع صَوته فِي الْغَالِب من إرْسَال الدُّمُوع؛ يقْرَأ فِي الصُّبْح بِمَا فَوق الْمفصل؛ فيحسبه الْمصلى خَلفه كَأَنَّمَا قَرَأَ بِآيَة وَاحِدَة، لحسن قِرَاءَته، وَطيب نغمته، وَصدق نِيَّته؛ وَإِذا ذكر شَيْء؛ من أُمُور الْآخِرَة، ظهر على وَجهه الاصفرار؛ ثمَّ يغلبه الْبكاء، ويتمكن مِنْهُ الانفعال. فَكَانَ، فِي مُعَامَلَته لأَصْحَابه، على مَذْهَب الْفرج بن كنَانَة، لَا يرى زلَّة لصديقه، وَلَا يعدل فِي حَاجته إِلَيْهِ عَن طَرِيقه؛ وقلما كَانَ يتَخَلَّف فِي يَوْم من أَيَّامه عَن عِيَادَة مَرِيض، أَو شُهُود جَنَازَة، أَو تفقد مُحْتَاج، أَو زِيَارَة منكوب. وَمن ذَلِك مَا حَدثنِي بِهِ قريبنا وقريبه الشَّيْخ الرِّوَايَة الْمُحدث الْحَاج أَبُو الْقَاسِم بن عبد الله، وَهُوَ أَنه لما اعتقل بدار الإشراف من الحضرة، على مَا نسب إِلَيْهِ من الْمُسَامحَة فِي إِضَاعَة مَال الجباية، أَيَّام كَانَت أشغال السلطنة لنظره، أَن زَارَهُ القَاضِي أَبُو عبد الله يَوْمًا فِي محبسه. قَالَ: فَذَكرته بعادته من مشاركته لأَصْحَابه ولإخوانه وَله ابْن عوَانَة. قَالَ: فاستعبر، واستغفر، وَأقَام معي هنيئة ساكتاً مفكراً؛ ثمَّ تنَاول القرطاس، وَكتب يُخَاطب الْأَمِير بِمَا نَصه: الْحَمد لله {مولَايَ أمدك الله بتوفيقه، وحملك من الرشاد على أوضح طَرِيقه} أسلم عَلَيْك وأسائلكم، حققت رَجَاء الآملين وسائلكم، وَلَا خَابَ من قصد لديكم قاصدكم وسائلكم! مَا كَانَ من حَدِيثي الَّذِي لم يزل ذَا قدم صدق فِي خدمَة الإيالة الإسماعيلية وبنيها، وخاصتها وذويها، واداً لأودائها. نَائِبا عَن متاربها، يرفع لنصحها فِي كل ميدان خدمَة لِوَاء، ويؤم أولياءها ثِقَة وأعداءها مقتاً ولواء، ويجر من نصحها من حسن الطوية رِدَاء، إِلَى أَن تحمل من عدوى الْجوَار دَاء، وَجعل لصَاحب الجريمة، من أَخذ بالجريرة غير ناره، وكوى لعجز جَاره، وَتارَة عدوه وَلم يقم لَهُ هُوَ ولي بثأره. فَهَل عثر البحاث البدعي فِي نواحي عمله وَفِي خفيات سره، على مقربة خبر. أَو أَتَى البحاث السَّرِيع فِي هزجه ورمله بأثارة علم تكشف الْعَمى وتضئ الطَّرِيق لأولى الْبَصَر؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute