للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأما من الناحية الدينية، فإن العرب كانوا وثنيين، فلما اتصلوا بالأمم ذات الأديان الراقية اكتشفوا ما في الوثنية من عجز عن إشباع الغريزة الدينية في الإنسان. والأديان السماوية قد دخلت جزيرة العرب منذ وقت مبكر، فكانت النصرانية منتشرة في شمال شبه الجزيرة وشمالها الشرقي١، وكذلك كانت منتشرة في اليمن، وكان لها مركز هام في نجران٢ وقد اتسع نطاقها بعد الفتح الحبشي٣. وكانت اليهودية معروفة في القسم الشمالي من الجزيرة؛ فيثرب وخيبر وفدك وتيماء ووادي القرى كانت يهودية، وكانت معروفة كذلك في اليمن، وكانت تصارع المسيحية هناك حتى الفتح الحبشي، وعند ظهور الإسلام كانت توجد في اليمن جالية يهودية كبيرة. وكان من المتوقع لو لم يظهر الإسلام أن يدخل العرب في أحد الدينين، لولا أنهم بدءوا نهضة قومية وكانوا ينظرون في الوثنية نظرة خاصة ويعتبرونها رمزًا لقوميتهم -وقد كان من عادة الأمم في تلك العصور أن تعتبر ملتها أو نحلتها موضع كبريائها ورمزًا لشخصيتها وعنوانًا على ثقافتها- وهم لذلك يريدون ديانة تعبر عن روح العروبة وتكون عنوانًا لها، ومن أجل ذلك بحث عقلاؤهم عن الحنيفية دين إبراهيم الذي كانوا يعدونه أبًا لهم٤. هذا إلى ما لحق الديانات الأخرى من تفرق واختلاف بين طوائفها، ولا بد أن العرب كانوا على صلة بأهل هذه الديانات وعلى معرفة بالخلاف بين طوائفها؛ الأمر الذي جعلهم يتندرون بأصحابها وينعون عليهم اختلافهم، ويتطلعون إلى ظهور نبي منهم، ويقسمون أنهم لو جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم٥.

وقد ظهرت حركة التحنف قبل الإسلام مباشرة٦, فكانت رمزًا إلى أن الروح العربي كان يتلمس يومئذٍ دينًا آخر غير الوثنية، والإسلام حين جاء كان معبرًا عن شعور


١ جواد علي:٦/ ٥٧-٦٠.
٢ انظر سورة البروج ٤- ٨, ابن هشام ١/ ٣٥.
٣ نفسه ١/ ٤٣.
٤ ابن هشام ١/ ٢٤٢-٢٥٠، أسد الغابة ٢/ ٢٣٦، المحبر ١٦٠، ١٧٠, الروض الأنف ١/ ١٤٦.
٥ انظر سورة فاطر ٤٢.
٦ ابن هشام ١/ ٢٤٢.

<<  <   >  >>