العرب بالوحدة, ومعبرًا عن ميلهم الروحي. وكان دليلًا على نضوج ديني فلسفي استعد له العرب في القرون المتطاولة السابقة.
وأما من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، فإننا نجد الحجاز قبيل الإسلام يقوم بالتجارة التي كانت تقوم بها اليمن قديمًا، وأصبح الطريق المار بالحجاز هو الطريق البري الهام المأمون في ذلك الوقت. وقامت قريش على تنظيم القوافل بين الشمال والجنوب, واستطاع رجالها أن يكونوا شبكة تجارية تربط جميع قبائل الحجاز بهذه التجارة فجعلوا من الحجاز -بذلك- وحدة اقتصادية متماسكة، وحققوا من وراء ذلك ثروة لا بأس بها، والغنى شرط من شروط النهضات؛ لأن الجماعة لا تنهض إلا إذا كانت قوية سليمة، ومن مقومات السلامة الناحية الاقتصادية, فهذا الثراء كان طرفًا مناسبًا للنهضة العربية.
غير أن الثروةلم تكن موزعة توزيعًا عادلًا، فقد كانت الهوة بين الأغنياء والفقراء كبيرة من الناحية الاقتصادية، إذ كان يوجد من يملك الألوف المؤلفة من الدنانير، أو الألوف من الإبل، ومن لا يملك شيئًا على الإطلاق، وبينما يعيش الأغنياء في ترف، كان الفقراء لا يجدون ما يسد حاجتهم الضرورية للحياة، ولم يخفف من هذه الحدة ما كان يفيضه الأغنياء من كرم وسخاء، فإن المروءة وحدها لا تكفي لإيجاد التكافل الاجتماعي وإن كانت تعين عليه، بل قد يزيد ذلك من شدة الشعور بالغبن في مثل هذه البيئة التي كان التعطش فيها شديدًا إلى بعد الصيت والنفور من الضعة، ثم إن التجارة وما كان يصحبها في ذلك الوقت من ضروب الغش والمضاربة والاستغلال والربا، كانت في حاجة إلى تنظيم يحد من جشع التجار، ويقرب بين الطبقات ويوجد التكافل الاجتماعي.
ولقد كان التفاوت الطبقي موجودًا, على الرغم من الإحساس بالقرابة ووجود علاقات الحلف والولاء، وعلى الرغم من الإحساس النفسي العام بعدم المساواة، متمثلًا في الفروق الواضحة بين طبقة الصرحاء وطبقة الموالي، ومتمثلًا فيما كانت تكفله الثروة وشرف البيت لصاحبها من تأهيل للدخول في مراكز القيادة والزعامة, ولسنا نعني في هذه الناحية وجود نظام مقرر لتقسيم الطبقات من حيث الثروة كما كان