يعتزون بأنهم جند الله يقاتلون لإعلاء كلمته وينتصرون بتأييده، فإذا الدينا تصرفهم بعرضها عن غايتهم العظمى فيخسرون النصر الذي أوشكوا أن ينالوه، وما أدراهم أن الله لم يغضب عليهم لعصيانهم وطمع نفوسهم فيخسرون الآخرة أيضًا.
كان على النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعالج هذه النفوس وإلا وصلت الهزيمة إلى قرارتها وأصبح من الصعب إقالتها من عثرتها، وكان عليه كذلك أن يعالج الموقف الداخلي في المدينة نفسها، فقد أخذت الطوائف الأخرى من أهل المدينة من اليهود والمنافقين والمشركين يظهرون السرور لما كان من هزيمته وأصحابه، وأظهر اليهود القول السيئ في النبي -صلى الله عليه وسلم- وراحوا يشككون في نُبوته، كما أخذ المنافقون يخذلون عنه أصحابه ويأمرونهم بالتفرق عنه١.
ولو بقيت هزيمة أحد هي الكلمة الأخيرة بين المسلمين وقريش فإن أمر محمد وأصحابه ليشرف على الأُفُول، ولتضعضع سلطانه بيثرب بعد أن أصبح صاحب الكلمة العليا فيها بعد بدر.
وماذا عن قريش؟ إنها لو رجعت بنصرها كما كسبته. لربما رجعت إلى المدينة فهاجمتها، والمسلمون مضعضعون من الهزيمة لم يستردوا نفوسهم من آثارها، ولو أنها لم ترجع واكتفت بما نالت لكان المسلمون عرضة لاستخفافها وإرسال دعاية السخرية والاستهزاء بهم في أنحاء الجزيرة كلها، ولئن حدث هذا لجاء في أثره اجتراء القبائل على المدينة والاستخفاف بها ومهاجمتها.
كان على النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعالج الموقف من جميع هذه النواحي: فأما من الناحية النفسية عند المسلمين؛ فإنه عفا عن كل مسيء في المعركة ولم يحمل أحدًا بعينه ممن حضرها نتائجها، بل جعل المسئولية عامة.
ثم إن القرآن الكريم نزل مواسيًا للمسلمين معالجًا لجرح نفوسهم مذكيًا الروح المعنوية فيهم، مذكرًا إياهم بأن الحرب سجال والأيام دول. وأنهم لكي ينتصروا لا بد أن تكون لديهم القدرة على مواجهة الهزيمة، فإن القدرة على تقبل الهزيمة أقوى أنواع الانتصار. ثم يثير فيهم العظة المستفادة من هذه المعركة حتى يستعدوا لما بعدها من أيام {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا