للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من اليهود، ولم يكن يكفي التحصن بالمدينة وحدها، ولا بد من اتخاذ خطة أحكم لمواجهة المواقف، وقد جاء الحل من اقتراح تقدَّم به سلمان الفارسي، فقد أشار بحفر خندق حول المدينة١.

ووافق هذا الاقتراح هوىً في نفس النبي -صلى الله عليه وسلم- لسببين: الأول أنه يعوق تقدم العدو في هجوم عام، والثاني أنه يبرز نية النبي -صلى الله عليه وسلم- السلمية، فإنه لم يكن راغبًا في الحصول على مجد عسكري وإنما كانت الحرب عنده وسيلة لا غاية، فهو مع دقة تنظيمه ومهارته في القيادة يريد تسويد مبدأ السلم ما دام له عن القتال مندوحة، وكان تجمع كل هذه القبائل فرصة ليعلنهم جميعًا بنيته السلمية، ولكن في حيطة القائد وحذر المحارب، وَسَارَعَ فأمر بالبدء في حفر الخندق في شمال المدينة وهي الجهة التي يمكن أن تؤتى منها المدينة، أما باقي الجهات فهي حرات يصعب منها الهجوم ويسهل الدفاع، وعمل المسلمون بجد حتى أتموا حفر الخندق في ستة أيام، وحين أقبلت جموع العدو فوجئت بالخندق، فاستنكرت هذه الوسيلة التي لم تكن تعرفها من وسائل الدفاع واتهمت النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسملين بالجبن، وقد وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- بقواته من وراء الخندق، وكانت عدة من معه ثلاثة آلاف على قول بعض المصادر٢ وتسعمائة على قول بعضها الآخر٣.

ولما لم تجد الأحزاب سبيلًا إلى اجتياز الخندق اكتفوا بتبادل الرمي بالنبال ريثما يفكرون في خطة لمعالجة هذا الموقف.

واستطاع حيي بن أخطب أن يؤثر على بني قريظة، فأعلن هؤلاء قطع حلفهم مع النبي -صلى الله عليه وسلم- واستعدوا لمعاونة الأحزاب بفتح الطريق أمام جيوشهم أن تدخل المدينة من ناحية بني قريظة٤ وهي جهة لم يشملها الخندق، ولكن النبي استطاع بمهارة أن يثبت الشك بين طوائف الأحزاب؛ فقد اتصل بغطفان وفاوضها على التراجع نظير ثلث ثمار المدينة، وإذا كان هذا الاتفاق لم يتم فإنه ثبط همم الغطفانيين، وألهب حماس الأنصار٥، ثم بذر الشك بين اليهود والأحزاب٦، وبذلك تفككت جبهة العدو،


١ الطبري ٢/ ٢٢٤. إمتاع ١/ ٢١٩، ٢٢٠.
٢ ابن هشام ٣/ ٢٣٠ الطبري ٢/ ٢٣٧. إمتاع ١/ ٢٢٤.
٣ جوامع السيرة ١٨٧.
٤ ابن هشام ٣/ ٢٣٦- ٢٣٨.
٥ نفسه ٣/ ٢٣٩.
٦ نفسه ٣/ ٢٤٧- ٢٥٠.

<<  <   >  >>