للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا كانت عمرة القضاء التي هي شرط من شروط صلح الحديبية فتحًا لقلوب أهل مكة وأبصارهم، وكما أسلم خالد أسلم رجلان آخران لهما أهمية ولهما خطورة وهما: عمرو بن العاص داهية قريش الذي لا يقل بصرًا بالأمور عن خالد، وعثمان بن طلحة حارس الكعبة١، وبإسلام هؤلاء الثلاثة أسلم عدد كبير من أهل مكة وأصبحت مكة في حكم البلد الذي فتح أبوابه للدعوة الإسلامية، ولم يبق إلا أن تفتح أبوابها وتسلم القيادة للمسلمين.

كما أن هذا الصلح قد أتاح لبعض القبائل فرصة الدخول في عقد محمد وبالانضمام إلى صفوفه صراحة. وبخاصة قبيلة خزاعة التي كان جزء كبير من الأحابيش الذين كانت تعتمد عليهم من بطونها٢، وبذلك ضم محمد جزءًا كبيرًا من هذه القوة إلى جانبه وأضعف بذلك مركز قريش الحربي إلى حد كبير. ثم إن الهدنة قد أتاحت لمحمد فرصة العمل بحرية وهو آمن، بعد أن أمن جناحه الجنوبي من ناحية قريش، فانصرف في اطمئنان ليقضي على القوة الأخرى المعادية التي كانت تقوم في جناحه الشمالي، وهي قوة اليهود الذين تركزوا في خيبر والذين أخذوا يَعُدون العدة ويعملون على تكوين حلف يهودي يضم يهود خيبر ووادي القرى وتيماء، لتكوين قوة كبيرة من اليهود لمهاجمة المدينة دون اعتماد على القبائل العربية التي فشلت في مهاجمة المدينة في موقعة الأحزاب.

وقد استطاع أن يهاجم خيبر وينتصر عليها وعلى حصونها القوية، على الرغم مما بذله اليهود من مقاومة عنيفة مستميتة٣، وبالقضاء على قوة اليهود في خيبر أمن النبي -صلى الله عليه وسلم- جناحه الشمالي، وبدأت القبائل التي كانت تناوئ المدينة تراجع موقفها وتسعى للانضمام إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى لم يمض عامان إلا والإسلام قد انتشر انتشارًا سريعًا في هذه القبائل وحتى انضمت إليه انضمامًا كاملًا لدرجة أنه عند فتح مكة في عام ٨هـ، كان رجال هذه القبائل يؤلفون القوة الكبرى في الجيش الذي تقدم لفتح مكة. فقد قدمت سليم ألف فارس، وقدمت مزينة ألف مقاتل، كما قدمت جهينة ثمانمائة، وقدمت بنو كعب وبنو ليث وأشجع وغفار أكثر من ألفي مقاتل، وهكذا بعدت القبائل عن قريش بالدرجة التي تقربت منها من النبي -صلى الله عليه وسلم-٤، وكانت هذه الأعداد الضخمة من


١ إمتاع ١/ ٣٤١- ٣٤٤.
٢ ابن هشام ٣/ ٣٦٦.
٣ ابن هشام ٣/ ٣٨٧ وما بعدها.
٤ إمتاع ١/ ٣٦٤- ٣٧٣. جوامع السيرة ٢٧٧.

<<  <   >  >>