للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كذلك اتصل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد عودته إلى المدينة أن جماعة من غطفان يجمعون له يريدون حربه، فخرج بنفسه على رأس أربعمائة من أصحابه إلى محالهم بمكان يقال له: ذات الرقاع -وهو موضع في وادي القرى على طريق تبوك- ففر الأعراب من وجهه، فاستاق من وجد من أموالهم ونسائهم وعاد إلى المدينة١.

وما كاد يستقر بالمدينة حتى علم أن القبائل الضاربة على تخوم الشام، تتحرك وأنها تتحرش بتجارة المسلمين التي أخذت تتجه نحو الشمال بعد أن أصبحت تجارة قريش نحو هذه الجهة في حكم المتوقفة؛ لذلك خرج في ألف من رجاله إلى دومة الجندل وهي واحة على الحدود بين الحجاز والشام، وتقع على الطريق بين البحر الأحمر والخليج العربي، وبينها وبين دمشق ثماني مراحل -حوالي مائة ميل- ولم يقاتل النبي -صلى الله عليه وسلم- القبائل التي خرج لقتالها؛ لأنها ما كادت تسمع باقترابه حتى فرت تاركة للمسلمين غنائم من أموالها حملها المسلمون إلى يثرب٢.

وبعد خمسة أشهر من خروجه لدومة الجندل، تجمع بنو المصطلق وهم حي من خزاعة كانوا حلفاء لبني مدلج وكانوا ينزلون على ماء لهم يقال له: المريسيع في ناحية قديد إلى الساحل٣، وكانوا بطنًا من البطون التي تكون حلف الأحابيش مع قريش، فخرج إليهم النبي في قوة كبيرة من رجاله، واستطاع أن يحيط بهم، فلم يقاتلوا طويلًا حتى قتل منهم عشرة ووقع سائرهم في الأسر، وسبى النبي نساءهم وذراريهم وغنم أموالهم. لكنه رأى أن يصطنعهم ليوهن حلف الأحابيش ويحرم قريشًا من هذه القوة التي تستعين بها دائمًا في حروبها، فخلى عن أسراهم ورد لهم نساءهم وذراريهم، ثم أصهر إليهم بأن تزوج جويرية بنت زعيمهم الحارث بن أبي ضرار، بذلك ضمن ولاءهم له وحرمان قريش من عونهم٤.

من كل ذلك نرى مقدار ما وصل إليه نفوذ المسلمين، وما بلغ إليه سلطانهم وخوف القبائل إياهم، ونلاحظ هنا أن نفوذ الدولة امتد كثيرًا إلى الشمال حتى قارب تخوم الشام، كما نلاحظ أن قوات المسلمين التي كانت تتجه إلى هذه المنطقة كانت أكثر


١ ابن سعد ٣/ ١٠٢، ١٠٣.
٢ نفسه ٣/ ١٠٣، ١٠٤.
٣ ياقوت ١٧/ ١١٨.
٤ ابن سعد ٣/ ١٠٥، ١٠٦.

<<  <   >  >>