للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تتبع بيوت الأصنام في الحجاز وفي الجزيرة العربية كلها يرسل إليها من يحطمها ويعلن للقبائل جميعًا انتهاء عهد الوثنية١. ولم تقاوم القبائل هذا العمل وكان سكوتها يعني إقرار منها بزوال عهد الوثنية، بل إن كثيرًا من القبائل تولت أصنامها بنفسها. وقريش التي كانت في موضع الزعامة الدينية في الجزيرة العربية، لم تلبث أن اعتنقت الإسلام بعد دخول جيوش النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة. واستمسكت به ونصرته حين بدأت كثير من القبائل العربية ترتد عن الإسلام بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم.

أما الآثار السياسية؛ فمنها القريب ومنها البعيد: فأما الآثار القريبة: فقد حدثت بسرعة كبيرة لا تزيد على الأسبوعين عدًّا، وذلك أن قبائل ثقيف وهوازن وهي القبائل التي تقيم قريبًا من مكة وتملك مدينة الطائف قد رأت في فتح مكة، ضربة موجهة لها واعتقدت أن دورها قريب، فقد كانت الطائف مرتبطة بمكة ارتباطًا شديدًا في الجاهلية، ومن أجل ذلك تجمعت قبائل الطائف وقبائل هوازن واستعدت لضرب المسلمين، ولم يستطيع رجال ثقيف وهوازن أن يدركوا أن مكة حين ألقت لواء المعارضة إنما ألقته بعد أن آمنت بأن معارضاتها قد استنفدت كل إمكانياتها، وأن أهل مكة قد فتحت نفوسهم للإسلام قبل أن تفتح مدينتهم أبوابها لجيوش المسلمين، وأن الفتح لم يكن حربيًّا إلا في ظاهره، ومن أجل ذلك خرجت قوات مكة إلى جانب قوات النبي -صلى الله عليه وسلم- للوقوف في وجه ثقيف وهوازن في معركة حنين٢، ثم في حصار الطائف بعد هزيمتها في حنين٣.

أما الآثار البعيدة: فإن قريشًا بعد أن القت لواء المعارضة لم يكن يوجد بين قبائل العرب من يستطيع حمله؛ فإن مكة تمثل النظام القديم في نظر الناس في الجزيرة العربية كلها، وهذه الزعامة القرشية كانت زعامة حقيقية قبل الإسلام، فإن الأمم في هذه العصور القديمة كانت تركز جميع مشاعرها القومية في الدين، وتجعله رمزًا


١ ابن هشام ٤/ ٦٤، ١٩٨.
٢ ابن هشام ٤/ ٦٨- ٩٢. ابن كثير ٤/ ٣٢٢- ٣٤٠.
٣ ابن هشام ٤/ ١٢٢- ١٣١. ابن كثير ٤/ ٣٤٥- ٣٥٢.

<<  <   >  >>