للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لتجّار اليهود في شبه الجزيرة١ ويستند إلى أنّه لا صلةَ بين أوضاع العبادة في العرب وبين دين إبراهيم؛ لأنها وثنيةٌ مغرقةٌ في الوثنية وقد كان إبراهيمُ حنيفًا مسلمًا. وهو إذا ينفي قصّة ذهاب إبراهيم وإسماعيل إلى الحجاز يقول بإمكان انتقال جماعة من أبنائهما بعد ذلك من فلسطين إلى بلاد العرب واتصالهم وإياهم بصلة النسب٢.

ويردّ الدكتور محمد حسين هيكل -رحمه الله- على رأي موير بأن ما يسوقه من دليلٍ لا يكفي لنفي واقعة تاريخية، وأن وثنية العرب بعد موت إبراهيم وإسماعيل بقرونٍ كثيرةٍ لا تدل على أنهم كانوا كذلك حين جاء إبراهيم وإسماعيل إلى الحجاز حين اشتراكا في بناء الكعبة؛ على أنه لو وجدت وثنية يومئذٍ لما أيد ذلك رأي سير وليم موير، فقد كان قوم إبراهيم وثنيين ولم ينجح في تحويلهم، فإذا لم ينجحْ في تحويل العرب فلا بدع ولا عجب.

ويرى هيكل: أن المنطق يؤيد رواية التاريخ، فإبراهيم الذي خرج من العراق فارًّا بأهله إلى فلسطين ومصر، رجل قد ألف الارتحال واجتياز الصحاري، والطريق ما بين فلسطين ومكة كان مطروقًا من القوافل منذ أقدم العصور، فلا محلّ إذن للريبة في واقعة انعقد الإجماع على جملتها. وإذا جاز انتقال بعض أبناء إبراهيم وإسماعيل إلى الحجاز؛ فكيف لا يكون جائزًا في شأن الرجلين بالذات، بل كيف لا يكون ثابتًا جازمًا ورواية التاريخ تؤكِّده، وقد ذكر ذلك القرآن الكريم وتحدّثت به بعض الكتب السماوية٣.

على أن إبراهيم الذي خرج من العراق فارًّا بدينه ضاربًا في الأرض إلى فلسطين ومصر، ولم يجد استجابةً بين كل الأقوام الذين ارتحل إلى أرضهم- لا بد أنّه كان يعلم أمر هذا الطريق التجاري المطروق وأمر المحطّات التي تقوم عليه، ولا بد أن راودته فكرة التبشير بدينه بين القبائل الضاربة على جنبات هذا الطريق، بعيدًا عن مجال الحكومات القائمة وديانات شعوبها ومعابدها الوثنية العريقة، ولا بد أنه علم بأمر هذه المحطة التجارية المتوسطة والتي تلتقي عندها الطرق وتغشاها القوافل، ولا شك أن الآية القرآنية: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} [الحج] تشير في ثناياها إلى


١ W. Muir, I. life of Mahomet and History of Islam. V. I,p Cxci
٢ Muir, Ol. CIt, p. Cx, ocit
٣ هيكل ٨٩- ٩٠.

<<  <   >  >>