للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما إصابة المعنى بتغيير اللَّفظ؛ فأهل العلم مِن نَقَلة الأخبار يختلفون فيه، فمنهم مَن يرى اتِّباع اللفظ، ومنهم مَن يتجوَّز في ذلك إذا أصاب المعنى، وكذلك سبيل التقديم والتأخير، والزيادة والنُّقصان، فإنَّ منهم مَن يعتمد المعنى ولا يعتدُّ باللَّفظ، ومنهم مَن يُشدِّد في ذلك ولا يُفارق اللَّفظَ.

وقد دلَّ قولُ الشافعي (١) في صفة المحدِّث مع رعاية اتِّباع اللَّفظ على أنَّه يسوغ للمحدِّث أنْ يأتيَ بالمعنى دون اللفظ، إذا كان عالمًا بلغات العرب ووجوه خطابها، بصيرًا بالمعاني والفقه، عالمًا بما يُحيل المعنى وما لا يُحيله، فإنَّه إذا كان بهذه الصفة جاز له نقلُ اللفظ، فإنَّه يَحتَرِز بالفهم عن تغيير المعاني وإزالة أحكامها، ومَن لم يكن بهذه الصفة كان أداء اللفظ له لازمًا، والعدول عن هيئة ما يسمعه عليه محظورًا، وإلى هذا رأيتُ الفقهاء من أهل العلم يذهبون.

ومِن الحُجَّة لمَن ذهب إلى هذا المذهب: أنَّ اللهَ تعالى قد قَصَّ مِن أنباء ما قد سبق قَصصًا، كرَّر ذِكْرَ بعضِها في مواضعَ بألفاظ مختلفة، والمعنى واحد، ونقلها مِن ألسنتهم إلى اللسان العربي، وهو مخالف لها في التقديم والتأخير، والحذف والإلغاء، والزيادة والنُّقصان وغير ذلك، وقد حُكِيَت (٢) هذه الحُجَّةُ (٣) بعينها عن الحسن.


(١) «الرسالة» (ص: ٣٧٠).
(٢) الضبط على صيغة البناء للمجهول من س، ك، وضبطه في ي على صيغة البناء للمعلوم، وضبطه في أ بالوجهين وكتب فوقه: «معًا».
(٣) في حاشية أمنسوبًا لنسخة: «الحكاية»، والمثبت من ظ، س، ك، أ، ي.

<<  <   >  >>