للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[القسم الثالث: مخالفته للأصول الخطية دون سبب واضح]

إن من أهم الواجبات على المحقق المحافظةَ على نص المؤلف كما تركه، فنص المؤلف واجب الاحترام، وإن اتفاق الأصول الخطية العتيقة المتقنة المتعددة المخارج على شيء لَأمارة قوية على أنه هكذا وقع في نسخة المؤلف، لاسيما وإذا عضدتها المصادر التي نقلت من الكتاب، فما على المحقق حينئذ إلا أن يُثبت ذلك في متن الكتاب وإن كان خطأ، ثم ينبه في الحاشية على وجه الخطأ في النسخ الخطية.

وهذه هي جادة الأئمة الحفاظ أهل العلم والتحقيق، وخذ على ذلك مثالًا واحدًا حتى لا أطيل: ذكر الخطيب البغدادي في ترجمة أحمد بن سعيد الجمال من «تاريخ بغداد» بسنده عن ابن سعيد أنه قال: أحمد بن سعيد الجمال بغدادي، سمعت أحمد بن محمد بن أبي خيثمة يثني عليه. ثم قال الخطيب: «كذا في الأصل، والصواب محمد بن أحمد بن أبي خيثمة» (١).

فعلى هذا؛ فليس من مهام المحقق أن يُثبت الصواب في متن الكتاب مخالفًا للأصول الخطية؛ فقد يكون الخطأ هو الذي ثبت عن المؤلف، وليس المؤلف بمعصوم من الخطأ.

ويزداد المصاب عندما يهجم كثير من المحققين -بقلة علمهم- على تخطئة الأصول الخطية، ويكونون هم المخطئين، ويكون لما وقع في الأصول الخطية وجه صحيح يُحمل عليه الكلام ويصح به.


(١) «تاريخ بغداد» (٥/ ٢٧٩).

<<  <   >  >>