للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنت شخص وَاحِد يَنجلي لك الأمرُ واضحًا في بعض الحالاتِ، ويَلتبِس عليك في بعضِ الحالاتِ، حَسَب ما يَكُونُ قلبُك صافيًا مطمئنًّا، أو غير ذلك، ومن ثَمَّ نُهي عن القضاء في حالِ الغضبِ، وعن الإفتاء في حال الغضبِ، وفي حالِ الحَرِّ المزعِج، والبرد المؤلِم، وَمَا أَشْبَهَ ذلك؛ لِأَنَّ الإنْسَان تحولُ هَذِهِ الأمور بينَه وبين العلمِ بالحقِّ، أو إرادة الحق؛ لِأَنَّهُ عند الغضبِ يَشْتَبِه عليكَ الحقُّ، أو ربما لا تُرِيد الحقَّ بل تُرِيد أن تنفذ غضبك فيمن غضِبت عليه مثلًا.

فالحاصل الآن نقول: كل شُبهة يُورِدُها الكفَّار في عهد الرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وفيما بعده فهي باطلٌ، وما جاء أحدٌ بباطلٍ في عهدِ الرَّسولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلَّا جاء اللَّه بالحقِّ.

وقوله: {وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [أيْ بيانًا].

وهنا (أحسن) هل هي على بابها أو من باب مقابلة الخصمِ؟ على بابها؛ لأَنَّهُمْ عندهم بيانٌ وإيضاحٌ للأمورِ، وإيراد للشُّبه، وهم في غايةِ ما يَكُون من الفصاحةِ، ولهذا ما تحدَّى اللَّه أحدًا في عهد الرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بمثلِ ما تحدَّاهم بالقُرْآن، إذَن فـ (أحسن) هنا على بابِها، يعني أَنَّهُمْ يأتون بكَلامٍ حسنٍ جدًّا وبَيِّن وواضِح، ولكننا نأتيك بما هو أحسن وأبين وأوضح، وفي هَذَا من مدافعة اللَّه تَعَالَى عن رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- ما فيه.

قوله: {وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} لَوْ قَالَ قَائِلٌ: كَلامهم ما دام باطلًا هل فيه بيانٌ؟

فالجواب: نعم؛ لأَنَّهُمْ يأتون بكَلامٍ جيدٍ في فصاحتِه، وقد قال رسول اللَّه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إن من البيان لسحرا" (١)، لكِن بيانهم هَذَا وفصاحتهم وسحرهم


(١) أخرجه البخاري: كتاب الطب، باب إن من البيان سحرا، رقم (٥٧٦٧).

<<  <   >  >>