للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو صفة المغفرة والرَّحمة والقُدرة، وكذلك هنا {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} ليس المعنى أن الشيطان كان خذولًا للإنْسَانِ فيما مضَى وأصبحَ غيرَ خَذولٍ، بل المعنى أن هَذَا وصف ملازِمٌ للشيطانِ بالنسبة للإنْسَانِ، فالشيطان وَصْفُه الخِذلان لبني آدمَ دائمًا، ليس معناه فيما مضَى فقطْ، وإنما أخبرنا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بأنَّ الشيطانَ خَذُولٌ للإنْسَانِ لأجلِ أنْ نتَّخِذَه عدوًّا، وألَّا نَغْتَرَّ به، فَإِنَّهُ سوف يخذُلنا في موطنٍ نحتاجُ فيه إلى نَصرِهِ فنَحْذَر منه.

فإذا قال إنْسَان: ما علامة كونِ هَذَا الفعلِ من أوامرِ الشيطانِ، وما الَّذِي يدرينا أن الشيطان أَمَرَنا بهذا، وأن هَذَا من عملِ الشيطانِ؟

الضابط قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: ٢٦٨]، فإذا رأيْنا أن النفسَ تُرِيد منَّا أنْ نقعَ في هَذَا العملِ إذا كان مخالفًا للشرعِ؛ علِمنا أنَّ هَذَا من أمر الشيطانِ، فوجبَ علينا الحَذَر منه؛ لأننا نَعْلَم أن هَذَا الشيطان سَيَخْذُلنا في موطنٍ نحتاج فيه إلى النصرِ، هَذِهِ هي العلامة الفارِقة بينَ ما يَكُون من أمر الشيطانِ وما يَكُون من أمر اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

وأيضًا النفسُ الأمَّارة بالسُّوء تَأْتَمِر بأمرِ الشيطانِ؛ لأنك لا تُحِسّ بأن الشيطانَ نزل بك وجاء بك، لكِن نفسك تأمرك بهذا، فهي تأتمِر بأمرِ الشيطانِ، فيجعلها كالوسيط بينَه وبين قلبِ المرءِ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأولى: التحذير من قُرَنَاء السّوء؛ لقولِه: {لَقَدْ أَضَلَّنِي}.

الْفَائِدَة الثَّانية: أن الكافرَ، بل عموم الظالمينَ، في يوم القيامة يُؤمِنون بالحقِّ؛

<<  <   >  >>