للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للإنْسَانِ، ثم أخَّر الانتفاعَ المباشِرَ من باب الأبعدِ فِي المصالح، فالأبعد لِأَنَّ الأَنْعام من مصلحة الْإِنْسَانِ، والْأَرْض إحياؤها من مصلحة الْإِنْسَان، وإحياء الأَنْعام أشدّ مباشرة والتصاقًا بالْإِنْسَانِ من إحياء الْأَرْضِ؛ لأنه كم من أراضٍ تُحْيَى بالمطرِ لا ينالها الْإِنْسَان ولا يَنتفِع بها، بخلافِ الأَنْعامِ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَةُ الْأُولَى: إثباتُ الأَسْبابِ؛ لقولِهِ: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا}.

الْفَائِدَةُ الثَّانيةُ: إرسالُ المُبَشِّرات والمقدِّمات بَيْنَ يَدَي الأشياءِ؛ لقوَّة الرجاء؛ لِقَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}.

الْفَائِدَةُ الثالثة: قُدرة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي إرسالِ الرياحِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الرياحَ لوِ اجتمع الخَلْقُ كلُّهم بالتأكيدِ عَلَى أن يأتوا بوَاحِدةٍ منها ما استطاعوا إِلَى ذلك سبيلًا، مع أن هذه الرياح فِي بعض الأحيانِ تَقتلِع الأشجارَ وتدمِّر المنازلَ، هَذِهِ القوة العظيمة لو أتيتَ بمُوَلِّداتِ الدُّنْيا كلها لِتَخْلُقَ مثلَ هَذَا الهواء ما حَصَلَ هذا.

الْفَائِدَةُ الرابعة: حِكمة اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بكونِ المطرِ يَنزِل مِنَ السَّمَاءِ، لو كَانَ هَذَا المطرُ الَّذِي تَحيا بِهِ الْأَرْض يأتي جريًا عَلَى سطح الْأَرْض ما كَانَ فِيهِ هَذَا النفع؛ لِأَنَّهُ لا يصل إِلَى قِمَم الجبال إِلَّا بعدَ أنْ يُغْرِق ما تحتها، لكنَّه إذا نزل من فوق أتى عَلَى قِمَمِ الجبالِ وأتَى عَلَى ما هو أسفلُ منها، وهذا من حِكْمة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بذلك.

الْفَائِدَةُ الخامسة: أن الأَصْل فِي الماءِ الطهارةُ؛ لِقولِه: {مَاءً طَهُورًا} ونحن نعرف الآنَ حَسَبَ ما تَلَوْنَا أنَّ الماء الموجود فِي الْأَرْض كلّه منَ السَّمَاء {فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} [الحجر: ٢٢]، فإذا كَانَ من السَّمَاء فإن الأَصْل فيما نبع من

<<  <   >  >>