للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الآية (١٢)]

* * *

* قالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان: ١٢].

* * *

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا} غَلَيانًا كالغضبانِ إذا غَلَى صَدرُه منَ الغَضَب {وَزَفِيرًا} صوتًا شديدًا أو سماعَ التغيُّظ رُؤْيته وعِلمه].

قوله: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}، الفاعل هي السَّعير، وفيه دليلٌ على أنها تَرَى، وهَذِهِ الرؤيةُ يجِب أن نَحْمِلَها على المعنى الحقيقيِّ، ولا يمكِن أن نقولَ: إن هَذَا من باب الاستعارة، وإنه معنًى مجازيٌّ؛ لِأنَّهُ من الجائز أن يخلُق اللَّه تَعَالَى فيها إدراك الرؤيَة، وإن كانتْ هي ليستْ من ذواتِ الرؤيةِ في العادةِ، ولَكِن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ على كلِّ شَيْءٍ قدير، كما أن الأرضَ تَسمَع وتحدِّث: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: ٤]، والمؤذِّن لا يسمع صوته شَجَرٌ ولا مَدَرٌ إلا شَهِدَ له يومَ القيامةِ (١)، فنحن نقولُ: ليسَ في هَذِهِ الآية استعارة، بل هي على المعنى الحقيقيِّ، وأن النار ترَى؛ لِأَنَّ اللَّه أخبرَ أنها ترى {إِذَا رَأَتْهُمْ} [الفرقان: ١٢]، وما المانِع مِن أن اللَّه يخلُق بها هَذِهِ الحاسَّة، بدليل قوله أيضًا: {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا} [الفرقان: ١١٢] التغيُّظ من المعروف أَنَّهُ لا يَكُون إلا من ذواتِ الشُّعور، ولَكِنْ مع هَذَا يجِبُ أن نقولَ: إِنَّهُ في هَذِهِ الآية على ظاهره، وإنها تَتغيَّظ ويُسمَع لِتغيُّظِها صوتٌ مثل تغيُّظ الإنْسَان الغضبانِ، إذا امتلأَ


(١) أخرجه ابن خزيمة (١/ ٢٠٣، رقم ٣٨٩).

<<  <   >  >>