للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إيجابيٌّ، والدفع سلبيٌّ، وغالبًا يَكُون السلبيُّ أهونَ مِنَ الإيجابيِّ، فانتقل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ في بيان عَجْز هَذِهِ الآلهةِ وأنها لا تصلُح مِنَ الأدنى إلى الأعلى، هَذَا بالنسبة للتفصيلِ، أمَّا بالنسبة للإجمالِ فقال: {لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا}.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأولى: أَنَّهُ يَنْبَغِي للإنْسَان أن يسوق للخصم ما يقر به لزوما حتى تقوم الحجة عليه، هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جعلوها آلهةً لا يمكن أن يَدَّعوا أنها تخلق، ولا يمكن أن يدَّعوا أنها غير مخلوقة؛ لأَنَّهُمْ يعرِفون أنها موجودة وليستْ من قبل.

فهل يمكن أن يدَّعوا بأنها تنفع أو تضُر؟

نقول: يُمْكِنُ أنْ يَدَّعوا ذلك، وفعلًا يَدَّعون ذلك، يقولون: إن الأولياء يَنفعون، وإنهم يضرون، وإن مَن لم يذبحْ لهذا الوليِّ أو ينذِر له فَإِنَّهُ يضرُّه. وهَذِهِ دَعْوى، فإذا ادَّعوا هَذَا يُطَالَبُون بالدليلِ، والدليل أنْ يقالَ لهم مثلًا: ادعوا هَذَا الوليَّ بأمرٍ معيَّن وانظروا هل يجلِب لكم ذلك أو لا يجلِبه؟ وذلك مِثلما أَنَّهُمْ يُطَالِبُونَ الرسُل بأشياءَ معيَّنةٍ، يقولون مثلًا لمَّا قالتْ لهم الرُّسُل: إن اللَّه يحيي المَوْتى: {ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الجاثية: ٢٥]، مع أن الرُّسُل ما قالت لهم: إن البعث في الدُّنْيا حتى يقولوا: {ائْتُوا بِآبَائِنَا}، إِنَّمَا قالت لهم: إن البَعْث بعد المَوْت، وهذا غير ما طالَبَ به هَؤُلَاءِ الخُصماء للرسل، فقولهم: {ائْتُوا بِآبَائِنَا} هو في الحقيقة مكابَرة وطَلَب دليلٍ لشَيْءٍ لم يَقُلْه الرسُلُ عليهم الصلاة والسلام، إذ لم يقولوا: إنهم يُبعَثون الآنَ.

فعلى كلِّ حالٍ هَذِهِ الدَّعْوَى -وهي أَنَّهُمْ يملكون نفعًا أو ضَرًّا- دعوى تحتاج إلى بيِّنة، أَمَّا دعوى المَوْت والإحياء فهي أيضًا أوضحُ في البُطلان، بل ربما تُدَّعَى؛

<<  <   >  >>