للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولَكِن إقامةً للعدلِ، ولهذا يقبل الدعاء حَتَّى من غيرِ المتَّقي مثلما ذَكَرْنَا، ثم إن اللَّهَ تَمَدَّحَ فقال: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: ٦٢]، ثم اللَّه بَيَّن {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: ٦٥].

ثم تهَدَّدَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بقولِهِ: {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} يَعْنِي فالآنَ لا يَنْفَعُكم الدعاءُ بعد أنْ كَذَّبْتُمْ، بل يَحُلّ بكم العقابُ الملازِمُ لكم فِي الآخِرَةِ. يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [بعدَما يَحُلُّ بكم فِي الدُّنيا]، وعلى هَذَا التفسيرِ يَكُون فِي الآيةِ دليلٌ عَلَى عذابِ القبرِ؛ لأَنَّهُمْ إذا لَازَمَهُمُ العذابُ مِن حينِ يَحُلُّ بهم إِلَى الأبدِ كَانَ ذلك دليلًا عَلَى عذابِ القبرِ، والأدلَّةُ عَلَى عذابِ القبرِ كثيرةٌ وأصرحُ من هَذَا وأبينُ.

قول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [فقُتل منهم يومَ بدرٍ سبعونَ]، الَّذِي قُتِلَ من أهل مكَّة يوم بدر سبعونَ كما قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ، وأُسِرَ سبعونَ. وجواب (لولا) فِي قوله: {لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} دلَّ عليه ما قبلَه، فهَذهِ شرطيَّة، وجوابها ما سبقَ، المعنى: لولا دعاؤكم ما عبأ اللَّه بكم، ولَكِن الدعاء يَمْنَعُ، واللَّهُ أَعْلَمُ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَةُ الْأُولَى: كمالُ قُدْرَةِ اللَّه عزَّ وجَلَّ وأنه لا يَعْبَأُ بأحدٍ مِن خَلْقِه مهما كَثُروا عددًا وعُدَّةً؛ لقولِه: {مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي}.

الْفَائِدَة الثَّانية: أن الدعاءَ مانعٌ من العقوبةِ، كما أن فِي الدعاءِ أَيْضًا جالبًا للمصالحِ "وَإِنَّ الدُّعَاءَ وَالْبَلَاءَ لَيَعْتَلِجَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (١) فيَمْنَع أحدُهما الآخرَ.


(١) أخرجه الطبراني في الدعاء (١/ ٣١، رقم ٣٣).

<<  <   >  >>