[الآية (٥٣)]
* * *
* قالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: ٥٣].
قوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} إنِ احْتَمَلَتِ الآيةُ أن يَكُونَ هناكَ شَيْءٌ فاصلٌ لا نَعرِفه نحن؛ لأنَّ الفصلَ هنا بَيْنَ المِلْحِ والحُلْو بذاتِهما، يَعْنِي لَيْسَ أمرًا يَحْجُزُ هَذَا عن هَذَا، إِنَّمَا الفاصل فِي نفسِ الحلاوةِ ونفس المرّ، فليسَ بينَهما شَيْءٌ، إِنَّمَا طبيعةُ هَذَا وطبيعةُ هذَا تَقتِضي أنْ يَنْفَصِل بعضُهما عن بعضٍ، فإذا كَانَ القُرْآنُ استنبطَ هَذَا فهذا لَا شَكَّ أَنَّهُ من أعظمِ الآياتِ أنْ يَكُونَ مثلًا نهر يَمشِي مسافةً طويلةً فِي وسطِ الماءِ المالحِ ولا يَختلِط به.
أنا أقول: إنَّ السَبَبَ كثرةُ هَذَا وكثرةُ هذَا، أو مُلُوحة هَذَا وحلاوة هَذَا، لَكِن كَلِمَة {بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} تدل عَلَى أن الفاصلَ في الحَقِيقَة هي أن حقيقة هَذَا لا تَتَلاءَم معَ حَقِيقَةِ هَذَا، ويَكُون البَرْزَخُ شيئًا ثالثًا بينَهما، فالبَيْنِيَّة تَقْتَضِي طَرَفَيْنِ وشيئًا بينَهُما.
على كلِّ حالٍ نقولُ: إذا كَانَ القُرْآنُ يَحتمِل هَذَا المعنَى -واللَّهُ أَعْلَمُ- لكِن ليسَ لنَا أنْ نَتَعَدَّى اللفظَ، فِي الحقيقةِ كلمةُ البَيْنِيَّة تَقتضِي أنها ثلاثةُ أطرافٍ؛ اثنان ووسط بينَهما، فإذا كَانَ القُرْآنُ يَحتمِل أنْ نجعلَ بينَهما بمعنى: فِي حَقِيقَتَيْهِما وتَكْوِينِهِما؛ لأننا فَهِمنا أن سَبَبَ عَدَمِ البَغْي لَيْسَ شَيْئًا فاصلًا بينَهما، إِنَّمَا حقيقة تكوين هَذَا وهذا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute