للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقِطعة الثلجِ لا تَستطيعُ أنْ تقولَ: بينها وبَيْنَ الماءِ بَرْزَخٌ، وحقيقةً لَيْسَ بينَهما شَيْءٌ.

فَلَوْ قِيلَ: هَذَا من آياتِ اللَّهِ؟

نقول: نحنُ لا نقولُ: هَذَا لَيْسَ من آياتِ اللَّهِ، لكِن الكَلام عَلَى دَلالةِ القُرْآنِ عَلَى هَذَا، فهل لنا أنْ نَتَجَاوَزَ البَيْنِيَّة: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: ٢٠]، {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا}، هل لنا أن نتجاوز هَذَا ونقول: إن البينيَّة هنا كِنايةٌ عن أن حقيقة هَذَا لا تندمِج بهذا؟

من العلماء مَن قَالَ: دخول الأنهارِ فِي البحارِ، لكِن يُشْكِل عليه قوله عَزَّ وَجَلَّ: {بَيْنَهُمَا}، ولهذا ضَعَّفنا هَذَا القَوْلَ، وقُلْنا: هَذَا لا يمكِن. وَفِي الحقيقةِ الَّذِي ينظُر إِلَى كلِمة {بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} هي مانع، أَمَّا كَوْنُهما لا يَختلِطانِ فهذا واضِحٌ.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: قوله: {بَرْزَخٌ} بَرْزَخ هل هو حاجِزٌ حِسِّيٌّ أو مجرَّد قولِه: حاجز يَعْنِي مانعًا، فالمانِعُ قد يَكُونُ مِنَ الشَيْءِ نفسِه، وقد يَكُون من غيرِه؟

فأنت إذا قُلْتَ: بينَك وبينَ صاحِبِكَ حَجَرٌ، أي مكان، فالبحرُ أَيْضًا ماءٌ، فكيف يَكُون بينهما حيز، وَأَمَّا قولُك: بينَه وبينَ فلانٍ مِنَ العِلْمِ، فصحيحٌ؛ لأنَّ العلمَ أصلًا معنًى، لكِن الماء والماء جِسم يَشغَلَانِ حَيِّزًا.

على كلِّ حالٍ، أنا لا أستطيعُ أنْ أَجْزِمَ الآنَ، نحنُ نُفَسِّرُ كَلامَ اللَّهِ، فإذا كَانَ القُرْآنُ يَحتمِل هَذَا المعنَى الَّذِي تَقَدَّمَ فهذا لَا شَكَّ أَنَّهُ مِن إعجازِ القُرْآنِ، إذا كَانَ كَلِمَة {بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} تَمْنَع هَذَا الاحْتِمَالَ، ونقول: إن البَرْزَخِيَّة هنا فِي الحقيقةِ تَقتضِي شيئًا ثالثًا غيرَ البحرينِ، نحن نقولُ: الحمدُ للَّهِ هَذَا الَّذِي اطّلَعْنَا عليه بالعلمِ يَكُونُ من آياتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وإنْ كَانَ القُرْآنُ لا يَدُلُّ عليه.

<<  <   >  >>