للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الآية (٦٠)]

* * *

* قالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: ٦٠].

* * *

بعدَ أنْ ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا عَظَمَتَه ورُبُوبِيتَه فِي خَلْقِ السَّمواتِ والْأَرْضِ واستواءَه عَلَى عَرْشِه قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ} لِكُفَّارِ مكَّة {اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ}]، هذَا السجودُ يَحتمِل أنْ يُرادَ بِهِ السجودُ الخاصُّ الَّذِي هو خُرُور الْإِنْسَانِ عَلَى أعضائِه السبعةِ، ويَحتمِل أنَّ المُرَاد بِهِ السجودُ العامُّ الَّذِي هو الخُضُوع المطلَق؛ لِأَنَّ السجودَ يُطلَق بالمعنيينِ؛ السجود العامّ الَّذِي هو الخُضُوع والذُّلّ مُطْلَقًا، أو السجود الخاصّ عَلَى هذه الأعضاء المعروفةِ، إذا قِيلَ لهم ذلك: {قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} فأَنْكَرُوا المسجودَ له، ثم اسْتَكْبَرُوا عن السجودِ {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا}، وهذا الاستفهامُ استفهامُ إنكارٍ واستبعادٍ، {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا}، والأوَّل {وَمَا الرَّحْمَنُ} استفهام إنكارٍ، يَعْنِي أنَّهم يُنْكِرُون الرَّحمنَ، والمراد بإنكارِهِمُ الرَّحمنَ إنكارُ هَذَا الاسْمِ، لا إنكار اللَّهِ، يَعْنِي أنكروا الاسْمَ دونَ الذَّاتِ، فهم يؤمنون باللَّهِ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} ولَكِنَّهم أَنْكَرُوا الرَّحمنَ، أنكروا هَذَا الاسْمَ للَّه عَزَّ وَجَلَّ وقالوا: لا نَعْرِف الرَّحمنَ إِلَّا رحمن اليَمامَةِ، لا نعرِفُ أنَّ هناك أحدًا اسْمُه الرَّحمنُ إِلَّا هَذَا الموصوف برحمنِ اليمامةِ، فأنكروا هذَا الوصفَ العظيمَ للَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّذِي هو مِن أعظمِ أوصافِه وأعظم أسمائِه، وَهِيَ الرَّحمة الَّتِي وَسِعَتْ جميعَ المخلوقاتِ،

<<  <   >  >>