وهذا الإنكارُ لا وجهَ له؛ لأنَّهُ ما دامَ قد أثبتَ بطَريقِ الرِّسَالةِ فلا وجهَ له لِكَوْنِهِم لا يَعْرِفُونه؛ لأنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي لا يُؤْمِن إِلَّا بما يَعْرِف هو تابعٌ لهواهُ، وليسَ مؤمنًا بالرُّسُلِ، ومنه ما يَفْعَلُه بعضُ العامَّةِ الآنَ إذا أُحْيِيَتْ سُنَّة مِن السننِ الَّتِي أُميتت، قالوا: ما هذا؟ ! هذَا دينٌ جديدٌ، لا نَقبَله ولا نريدهُ، نقولُ لِهَوُلَاءِ: إنهم يُشْبِهون هؤُلَاءِ الكُفَّارَ من بعضِ الوجوهِ، حيث أنكروا ما لا يَعرِفونه وقالوا: لن نَقْبَلَ، أين المشَايخ مِن هذَا الدينِ، وأين فلان وأين فلان؟ ! وهذا لَيْسَ بحُجَّة؛ لِأَنَّ الحقَّ يَجِب أنْ يُقبَل وأن يَكُونَ هوَى الْإِنْسَانِ تابعًا للحقِّ، لا أن الحقَّ تابعٌ لِهَواه:{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ}[المؤمنون: ٧١].
والواجبُ عَلَى المؤمنِ إذا رأَى ما لا يَعرِفه أو سمِع ما لا يَعرِفه التَّثَبُّتُ، صحيحٌ أن الْإِنْسَانَ يَستنكِر ما لا يعرِف، ولَكِن الواجب عليه نحوَ ذلك أنْ لا يُنكِر، والواجب عليه التثبُّت، وأنْ يَعْرِفَ مصدرَ هذَا الشَيْءِ، أمَّا أن يقولَ: أتيتم بدينٍ جديدٍ ولا نَقْبَله، فليسَ كَذَلِك، بل إن الَّذِي يحيى سُنَّة هو الَّذِي أتى بالدينِ القديمِ، وما خالَفَ السنَّة فَهُوَ الدينُ الجديدُ المُحْدَث، أَمَّا السنة فهي الدينُ القديمُ الَّذِي عليه الرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ وأصحابه.
والحاصِلُ: أنك لا تكاد تجد معصيةً مِنَ المعاصي إِلَّا وَفِيها مُشابَهة من جنسها من الكُفْرِ.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هل نأخُذُ من الآيةِ فضيلةَ السجودِ من بَيْنِ العباداتِ؟
هذَا إِذَا قُلْنَا: إن السجودَ خاصٌّ، لكِن الآية محتمِلة أن المرادَ بالسجودِ ما هو أعمُّ؛ أي الخُضُوع المطلَق، لا الخضوع بالسجود المعروف، وما دام وجد احْتِمَال لا يَتمّ الاستدلالُ.