للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللفظي يأتي اللَّه تَعَالَى بما هو أحسنُ منه.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأولى: أن كلَّ ذي باطلٍ نجد جواب باطلِه من القُرْآنِ، أو نقول ما هو أعمّ: نجد بيان باطله من الوحي المنزَّل على مُحَمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم-، نأخذه من قوله: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: ٣٣]، فما من شُبهة إلى يومنا هَذَا تَرِد إلا وفي كتاب اللَّه وسنَّة رسوله عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ما يَدْحَضُها، ولكن كما هو معروف ليس كلُّ أحدٍ يُدرِك ذلك، فالسيف في يدِ إنْسَانٍ لا يغني شيئًا ولا ينفعه، كالعصا أو أقلَّ، وفي يد إنْسَانٍ هو سيفٌ بتَّار يضرِب به ويقتل به، هكذا أيضًا الوحيُ المنزل على الرَّسولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ليس كلّ أحدٍ يعلمه، ولا كلّ أحدٍ يستطيع إقامة الحجَّة منه، ولكن فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، ولهذا سئل عليٌّ -رضي اللَّه عنه-: هل عندكم شَيْءٌ من الوحي إلَّا ما في كتابِ اللَّهِ؟ قال: "لَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ ما أَعْلَمُه إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيه اللَّهُ رَجُلًا في القُرْآنِ، وما في هَذِه الصَّحِيفَةِ". قيل: وما في الصَّحِيفَةِ؟ قال: "الْعَقْلُ، وَفَكَاكُ الْأَسِيرِ، وَأَنْ لا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ" (١).

فالحاصلُ: أن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُؤتِي فضلَه من يشاء بالنسبة لفهم القُرْآنِ، وكم من آيةٍ تمرّ بشخصٍ يَستنبِط منها عدة مسائل، وآخر لا يستطيع أن يأتيَ منها بمسألةٍ. ويُذكَر أن الإمامَ أحمدَ رَحِمَهُ اللَّهُ استضافَ الإمامَ الشافعيَّ ذات ليلةٍ، فقدَّم إليه العشاءَ، فأكل العشاء كلَّه، ثم نامَ واضطجعَ على فراشه، ولم يَقُمْ لصلاة الليلِ، ثم قام إلى الفجرِ ولم يطلبْ وَضُوءًا، فقالت إحدى بنات الإمام أحمد لأبيها: هَذَا الشافعي الَّذِي كنت تقولُ عنه كيت وكيت، ما رأيناه عمِل ولا رأيناه أيضًا اقتصرَ


(١) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب فكاك الأسير، رقم (٣٠٤٧).

<<  <   >  >>