للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على ثُلُث لطعامِه. فقال: آتيكم بالخبرِ. فسأل الشافعي رَحِمَهُ اللَّهُ أولًا: لماذا أكل كل الطعام؟ فأجاب قال: إني لا أرى أحدًا في هَذَا البلد أحلَّ طعامًا من الإمام أحمدَ، فأحببتُ أن يمتلئَ بطني من هَذَا الطعامِ الحلالِ، هَذِهِ وَاحِدةٌ، إذَن له غرضٌ، والشبع أحيانًا جائزٌ -فأبو هريرة شَرِبَ اللبنَ وقال له النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اشْرَبْ". فقال: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا (١)، ولكن نحن نحدِّث أنفسَنا بالحديث عند كل أكلةٍ، كل أكلة نقول مثل ما قال أبو هريرة! وهذا عارض، والعوارض كثيرة- وسأله: لماذا لم يَقُمِ الليلَ؟ فقال: إني كنتُ أتدبَّر قول النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ " (٢)، وإني استنبطتُ من الحديثِ ألفَ فائدةٍ. وَأَمَّا كوني أصلي الفجر بدونِ وضوءٍ فأنا لم أنمْ، أتدبَّر هَذَا الحديثَ. لكِن ما أظنُّه أخذها من لفظِ الحديثِ فقط، فاللَّه أعلم أَنَّهُ كُلَّمَا رأى فائدةً جرَّ حديثًا آخرَ يدلّ عليها، ثم استنبط منه.

فالحاصِلُ: أن النَّاس يَختلفون في فَهْم الكِتَابِ والسنَّة، واستنباط الأحكام من الكِتَاب والسنَّة، ولهذا تجد بعض النَّاس يأتي لك بالآيةِ ويسوقُ فوائدَها ويمكن أن يُحصِّل خمس أو عشْر فوائد حسَب ما في الآيةِ، وآخرُ يأتي بدلًا من الخمس بخمسين، وذلك فضلُ اللَّه يؤتيه مَن يشاء.

* * *


(١) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب كيف كان عيش النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه، وتخليهم من الدنيا، رقم (٦٤٥٢).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب الكنية للصبي وقبل أن يولد للرجل، رقم (٦٢٠٣)، ومسلم: كتاب الأدب، باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته وحمله إلى صالح يحنكه، وجواز تسميته يوم ولادته. . . رقم (٢١٥٠).

<<  <   >  >>