للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالحاصلُ: أن الدعاء مانع مِنَ العذابِ وجالِبٌ للرحمةِ.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ورد فِي الحديث: "وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ" (١) كيف يُوَفَّق بَيْنَه وبين ما وَرَدَ، سواء فِي الكِتَابِ أو فِي السنَّة أنَّ القَضَاء لا يَرُدُّه شَيْءٌ؟

فيَجِبُ أنْ تعرفَ أنَّ القضاءَ هو وُقُوعُ الشَيْءِ عَلَى ما كَانَ، فالدعاء إذا وقعَ فهناك قضاءٌ كَانَ يقع لولا الدعاءُ، فإذا وقعَ الدعاءُ كَانَ مِنَ القضاءِ، فيَكُون إخبار النَّبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِهَذَا هو حثّ النَّاس عَلَى الدعاءِ، مثلَما ذكر "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" (٢).

فَهُنَا إِذَا قَالَ قَائِلٌ: أليسَ الأَجَلُ مُقَدَّرًا، والرزق مقدَّرًا؟

قُلْنَا: بلَى، هو مُقَدَّر ولا يَتَغَيَّر، فيَكُون المقصود من الحديثِ حَثّ النَّاسِ عَلَى البِرِّ والصلةِ، ولا بدَّ أنْ يَقَعَ ما أرادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِن بِرِّك وصِلَتِك، وتكون النتيجةُ أنْ يَكُونَ عُمُرك ممدودًا بسَبَبٍ، كما ما لو وَقَعَ الْإِنْسَانُ فِي هَلَكةٍ وجاء إنْسَانٌ وأنقذَهُ، هَذَا الإنقاذُ صارَ سَبَبًا لحياتِهِ وطُول عُمُره، لكِن معَ ذلك هو مقدَّر، لا بدَّ أنْ يَقَعَ، فيَكُون معنى "لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ" أن الدعاءَ من الأَسْبابِ الَّتِي تَمْنَعُ القضاءَ الَّذِي يَكُون لولا هَذَا الدعاء، ولَكِن لن يَكُونَ هَذَا القضاء لِأَنَّهُ سَيَسْبِقُه دعاءٌ مُقَدَّر مِن قبلُ.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: قولُه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ له فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" أَلَا يَكُون تفسير الحديثِ معنويًّا بأنْ يُبَارِكَ له فِي عُمُرِهِ، وطِيب العُمُر،


(١) أخرجه ابن ماجه: كتاب الفتن، باب العقوبات، رقم (٤٠٢٢).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب البيوع، باب من أحب البسط في الرزق، رقم (٢٠٦٧)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها، رقم (٢٥٥٧).

<<  <   >  >>