للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَمَا أَشْبَهَ ذلكَ؟

فالجواب: لِنَقُلْ ذلك. والمباركَة فِي العُمُر وعَدَم المباركةِ مكتوبةٌ.

إذَن ما الفرقُ، ولماذا نُحَرِّف الحديثَ؛ لأنَّ يَنْسَأ بمعنى يُؤَخِّر معروف، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: ٣٧]، لماذا نحرِّف الحديثَ ونجعل (ينسأ) كنايةً عن بركةِ العُمُر فِرارًا من امتدادِ الأجلِ، معَ أنَّ البَرَكَة فِي العُمُر ونَزْع البركة من العُمُر كِلاهما مكتوبٌ؟ إذَن لا فرقَ.

وَكَمَا قُلْنَا: إِنَّهُ أَجَلٌ مُقَدَّر لا يَتَغَيَّر؛ لأن هَذَا الرجلَ الَّذِي صار عُمُره خمسينَ سنةً كُتِبَ عُمُره خمسين سنةً لِأنَّهُ بَرٌّ بوالديْهِ، وكُتب بِرُّه أَيْضًا، لكِن أنا غيرُ معلومٍ عندي أني بارٌّ، ولا أنَّ عُمُري خمسونَ مثلًا، فيَكُون المقصود من هَذَا الحديثِ هو حثّ النَّاس عَلَى البرِّ، وإلَّا فكلُّ شَيْءٍ مكتوبٌ، فالَّذِينَ فَرُّوا من ذلك يقال أَيْضًا لهم: هذا كما فِي الحديثِ أنَّ الجَنِينَ فِي الرَّحِمِ يَكْتُبُ المَلَكُ رِزْقَه (١)، والبركة فِي الرِّزْقِ أَيْضًا مكتوبةٌ من قبلُ، مع أنَّ الرَّسولَ يقولُ: "يُبْسَط لَهُ فِي رِزْقِهِ" يَعْنِي يُوَسَّع، فلا حاجةَ إِلَى هَذَا التحريفِ.

لَكِنْ لَوْ قِيلَ: أَلا يُمْكِن أن يَكُونَ هَذَا القدرُ الَّذِي كَانَ سَيَحْدُث مكتوبًا وغُيِّر؟

لا، هو بِصَدَدِ أنْ يقعَ، لكِن ما كُتِبَ أن يقعَ، هو بصددِ أن يقعَ لكِن وُجِدَ مانعٌ مقدَّر أَيْضًا، ومثلما قلتُ لكَ: إذا قَالَ قائل: ما الْفَائِدَة إذَن؟


(١) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ}، رقم (٧٤٥٤)، ومسلم: كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، رقم (٢٦٤٣).

<<  <   >  >>