للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بدون سَبَبٍ معلومٍ، فإذَن هَؤُلَاءِ لا يملِكون موتًا لأحد ولا حياةً، فلا يملكون أنْ يُحْيُوا أحدًا مِنَ الأمواتِ، لِأَنَّ ذلك إلى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وأمَّا إحياء عيسى للأموات فليس من هَذَا البابِ، ليس مِنَ الأمر الَّذِي نَفَاه اللَّه، لِأَنَّ الَّذِي يُحْيي الأموات حقيقةً هو اللَّهُ، ولهذا قيَّد اللَّه إحياءَه للموتَى بقوله: {بِإِذْنِي} [المائدة: ١٠]، فعيسى لا يَسْتَقِلّ بهذا، وإنَّما يَكُون قوله سَبَبًا للحياة الَّتِي يخلُقها اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.

قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَا نُشُورًا} النُّشُور هو بَعْث المَوْتى وتفريقهم، فمعنى نَشْرِهم أَنَّهُمْ يُفَرَّقون ويخرجون مِنَ الأجداثِ ويَنتشِرون في الأرض ويَتَفَرَّقون فيها، فهم لا يملِكون شيئًا من هَذَا كلِّه، فإذا تَبَيَّنَ عَجْزُهم الذَّاتيّ والعَرَضي تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ لا يصلُحون أنْ يَكُونوا آلهةً، ففيهم عَجْزٌ ذاتيٌّ وعَرَضِيٌّ.

فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: ما الفرق بين الحياة والنشور؟

قُلْنَا: الفرق بينَهما أنَّ النُّشُورَ عامٌّ، ولهذا قُلْنا: إِنَّهُ مِنَ النشر بمعنى التفريق والانتشار، وأمَّا الحياة فهي خاصَّة، فالحياة لوَاحِد معيَّن، مثل أن يقال لهم: أَحْيُوا هَذَا الميِّت، ولهذا قُلْنا: إِنَّهُ مِنَ النشر بمعنى التفريق والانتشارِ، فَهُوَ أعمُّ.

قوله: {وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا} عطفه على قوله: {لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا} من باب عطف الخاصِّ على العامِّ، أو التفصيل بعد الإجمال، فنجد الآية الكريمة تَتَرَقَّى مِنَ الأَدنَى إلى الأعلى (ضَرًّا ولا نفعًا)، (موتًا وحياةً ونشورًا) لِأَنَّ الحياة أشدّ مِنَ المَوْت، فوجود سَبَب الحياة أو القُدرة على الحياة أعظمُ مِنَ المَوْت، كذلك أَيْضًا النفع والضرر؛ النفع أعظم لِأَنَّ الإنْسَان يريد مِنَ الضرر دَفْعَ الشَيْء، ودفع الشَيْء أسهلُ من جَلْبِه، لِأَنَّ الجلب

<<  <   >  >>