للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من هَذَا أن بعضهم لا يذكر وأن تكون هذه الكثرة كثرة شاملة، مثلما تقول: الجُنْد كثيرون، أو عند الأمير جُنْدٌ كثيرٌ، كلمة (جُند كثير) تَشْمَل جميع الجنود وتصفهم بالكثرةِ، و (أناسيّ) أَيْضًا تَشمَل جَمِيع النَّاسِ وَتَصِفُهم بِالْكَثرةِ.

إذَنِ الإِشْكالُ الَّذِي يَتبادَرُ فِي الأوَّل نتخلص منه بأن نجعلَ (كثيرًا) صفة للأمرينِ؛ أَنْعامًا كثيرًا وأناسيّ كثيرًا، وليس كقول اللَّه تَعَالَى: {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: ١]؛ فإن {كَثِيرًا} لا تَصِحُّ أنْ تكونَ صفةً للأمرينِ لِأَنَّهَا مقدَّمة عَلَى النساء، أَمَّا هَذِهِ فيمكن أن يقال بأنها وصف للمعطوف والمعطوف عليه، وأمَّا {كَثِيرًا} فَإِنَّهُ لبيان الواقع وليس لإخراج البعض، ونَظيرُهُ فِي التمثيل -كما تَقَدَّمَ- أن تقولَ مثلًا: عندَ الأميرِ جُنْدٌ كثيرٌ، أو خرج إِلَى العدوِّ جيشٌ كثيرٌ، فَهُوَ وصفٌ له بالكثرةِ، يَعْنِي أناسي لَيْسُوا بالقليلينَ، فهَذَا هو المعنى: أَنْعامًا ليستْ قليلةً وأناسيّ لَيْسُوا قليلين، بل كثيرون، ويَكُون هَذَا بيانًا لِشُمُول انتفاعِ الخَلْقِ ناطقهم وبَهِيمهم بهذا الماء؛ أَنْعامًا كثيرًا وأناسيّ كثيرًا.

الآن تَوَصَّلْنا إِلَى أنَّ الكثيرَ صِفَة للأَنْعامِ، والأناسيّ بالنسبةِ لكثرةِ الأَنعامِ هل نقول: كثرة الجِنْس والأنواع، أو كثرة الأفراد، أو الجميع؟ نقول: الجميع، وبالنسبة للأناسيّ كثرة الأفراد؛ لِأَنَّ الأناسيَّ جِنسٌ وَاحِدٌ.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: لماذا ذكر الأَنْعامَ قبلَ الأناسيّ؟

الجواب: الظاهرُ -واللَّهُ أَعْلَمُ- للكثرةِ؛ لِأَنَّهَا أكْثَرُ أنواعًا وأفرادًا، والكَلام عَلَى إفادتها مِنَ المطرِ، فتقديمها لِأَنَّهَا أكْثَرُ.

وقد يقالُ: إن إحياءَ الْأَرْضِ لمصلحةِ الْإِنْسَانِ، وسقي الأَنْعامِ لمصلحةِ الْإِنْسَانِ، وسقي الْإِنْسَانِ هَذِهِ لمصلحة نفسِه، فقدّم ما يَكُون انتفاعًا غير مباشرٍ

<<  <   >  >>