قوله:{وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا} هذه فائدةٌ أُخْرَى لِلْمَطَرِ؛ أَنَّهُ يُسقَى بِهِ الأَنْعامُ والنَّاسُ، لكِن كيف ذلكَ؟ هل هو بالغُدرانِ الَّتِي تَبْقَى عَلَى وجهِ الْأَرْضِ، أو أن هَذَا الماءَ يُخْزَنُ فِي الْأَرْض، أو بهما؟ بهما جميعًا؛ لأنَّ سَقْيَ المطرِ يَكُونُ عَلَى هذينِ الوجهينِ؛ إما غدران تكون فِي قِيعانٍ لا تشرب فيَنْتَفِع النَّاس بِهَا، وإمَّا أنَّ الْأَرْضَ تشربه ويُحْزَن فِيهَا؛ كما قَالَ اللَّه تَعَالَى:{فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}[الحجر: ٢٢]، بل الَّذِي يَخْزُنُهُ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
قوله:{أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ} هنا قَالَ: {أَنْعَامًا}، وما قَالَ: أَنْعامًا كثيرةً، والأناسِيُّ قال:{وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} وَفِي هَذَا التعبيرِ إشكالانِ:
الإِشْكال الأوَّلُ: لمِاذا وصفَ الأناسيَّ بالكثيرِ ولم يَصِفِ الأَنْعامَ بالكثيرِ؟
الإِشْكال الثَّاني: أننا نعلمُ أن اللَّه تَعَالَى يَسقِي بهذا الماءِ كلَّ الأَنَاسِيّ، فكلُّ النَّاسِ يشربونَ منه، فلماذا قَالَ:{وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا}، يَعْنِي كأنه يُفهم أنَّ مِنَ الأناسيِّ من لا يُسقَى بماءِ المطرِ، فما هو الجواب عن الإِشْكال الأول: وصف الأناسيّ بالكثرةِ دونَ وَصف الأَنْعامِ؟
إِذَا قُلْنَا: إن {كَثِيرًا} صفة للأناسيّ والأَنْعام زالَ الإِشْكالُ، وقد يقال -واللَّهُ أَعْلَمُ -: إن بعض الأَنْعامِ لا يحتاجُ إِلَى الماء حَسَب ما نَسمَع، وبعضها لا يحتاج إِلَّا قليلًا جدًّا، فهناك أشياءُ كثيرةٌ يَعُدُّونها علينا يقولون: لا تَحتاج إِلَى ماءٍ، أو إذا شَرِبَتْ لا تشربُ إِلَّا قليلًا جِدًّا، تقريبًا مرة فِي السنة، فإذا صحَّ هَذَا فَهُوَ من الحِكْمَةِ، قد يَكُون هَذَا من الحِكْمَةِ بعدمِ وصفها بالكثرةِ.
لكِن يَبْقَى عندنا الإِشْكالُ الثَّاني فِي قوله:{وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} مع أن جميع الأناسيّ يشربون؟ ممكن أن نقول: إن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يبيِّن أن الأناسيَّ كثيرون، ولا يلزم