قوله:{لِنُحْيِيَ بِهِ}(الباء) هنا للسَبَبيَّة، والمحيي هو اللَّهُ، ولكنَّ المطرَ سَبَبٌ.
وقوله:{مَيْتًا} وَصْفُ البلدةِ هنا بالمَيْت هل المراد نفسُ الْأَرْضِ تكونُ ميتةً أو ما عليها؟
الجواب: ما عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْفَائِدَة مِنَ الْأَرْضِ هي ما عَلَيْها والَّذِي ترعاه الإبل والبقرُ والغنمُ هو ما عَلَى الْأَرْض، فإنها لا تأكل الترابَ والحَصَى، فإحياؤها باعتبارِ ما فِيها أَنَّهُ يَحْيَا وينمو ويكبر، فنفس الْأَرْض لا يدخلها الحياة والمَوْت، نفس الْأَرْض يَعْنِي الأحجار والطِّين لا يدخلها الحياة والمَوْت، إِنَّمَا تدخل الحياة والمَوْت ما فِيهَا، ولهذا قَالَ فِي آية أخرى:{اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ}[الحج: ٥]، والاهتزاز والرُّبُوُّ إِنَّمَا يَكُون فيما عَلَيْهَا، أمَّا هِيَ فلا تَهْتَزُّ.
قوله:{لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} ذَكَرَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ أنزلَهُ لِيُحْيِيَ بِهِ البلدةَ، فيَقتضِي هَذَا التعليلُ أَنَّهُ ما منْ قطرةٍ تَنزِلُ مِنَ السماءِ إِلَّا ويَحْصُلُ بِهَا حياة الْأَرْض، وإلَّا لَفَسَدَتِ العِلَّة، ولكن يقالُ: هَذَا سَبَبٌ، والأَسْباب قد تَتَخَلَّف لوجودِ الموانِعِ، وقد لا تؤثر لوجودِ الموانعِ، فذنوب بني آدمَ من موانعِ إحياءِ الْأَرْضُ لو نزلَ المطرُ، ويَكُون هَذَا أشدَّ وأَنكَى وأبلَغَ فِي التذكُّرِ؛ إذا نزل المطرُ ولم تُنْبِتِ الْأَرْضُ، ولهذا جاء فِي الحديث:"لَيْسَتِ السَّنَةُ بِأَنْ لَا تُمْطَرُوا، وَلَكِنِ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا، وَلَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ شَيْئًا"(١). وهذا هو الصحيحُ، أحيانًا تأتي أمطارٌ كثيرةٌ ولا تجد حياةً فِي الْأَرْض، وأحيانًا تأتي أمطار قليلة وتَحْيَا بِها الْأَرْضُ حياةً طيِّبةً، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أن هَذَا المطرَ سَبَبٌ لحياةِ الْأَرْضِ، ولكن الأَسْباب قد تَتَخَلَّف مُسَبَّبَاتُها لوجودِ الموانِعِ.
(١) أخرجه مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في سكنى المدينة وعمارتها قبل الساعة، رقم (٢٩٠٤).