للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويَكُون قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا} حالًا؛ جملةً حاليَّةً، أو أنها مبتدأ وخبر مستأنَف، ويَحتمل أن تكون {الَّذِينَ} مبتدأ، وجملة {أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا} خبر المبتدأ، فتكون من باب المبتدأ المخبَر عنه بجُملةٍ.

وقوله: {يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ} كيف يمشون على وجوههم؟ نقول: كما قال النَّبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ " (١)، ليس ببعيدٍ، وإذا كان المتكبِّرون يُحشَرون يوم القيامة أمثالَ الذَّرِّ يَطَؤُهُمُ النَّاسُ بِأَقْدَامِهِم (٢) فاللَّهُ على كلِّ شَيْءٍ قديرٌ، فإنْسَانٌ بَشَرٌ قد يَكُون من أكبرِ النَّاسِ جُثَّةً في الدُّنْيا، وهو متكبِّر، إذا كان يوم القيامة يُحشَر أمثالَ الذَّرِّ، واللَّه تَعَالَى على كلِّ شَيْء قدير، وهذا مثالٌ مِما سبق الإشارةُ إليه بأن أحوال الآخِرة لا تُقاس بأحوال الدُّنيا.

إذا قيل: ما وَجْهُ العقوبة بحَشْرهم على وُجوههم؟

فالجواب: إهانةً لهم؛ لِأَنَّ الوجه أشرفُ الأعضاءِ، فإذا جُعل هو مَحَلّ الوَطْء فهذا إهانةٌ، لكِنْ ما هي الحِكمة من ذلك؟ لا شكَّ أَنَّهُ فيه إهانة وعذاب؛ لأَنَّهُمْ قَلَبُوا الحقائقَ فَقُلبوا، وأيضًا لمَّا كانوا ينطِقون بِأَلْسِنَتِهِمْ، وهي في وُجُوههم، صار العذابُ عليها، كلُّ هَذِهِ وُجُوه محتمَلة، وعندي زيادة احْتِمَال أن الإنْسَان يُقبِل على الشَيْءِ بوجهه ويُعرِض عنه بوجهه، فلمَّا كان الوجه محلَّ الإعراضِ والإقبالِ، وهم قد أَعرضوا، صار العذابُ عليها.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب كيف الحشر، رقم (٦٥٢٣)، ومسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب يحشر الكافر على وجهه، رقم (٢٨٠٦).
(٢) أخرجه الترمذي: أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، رقم (٢٤٩٢).

<<  <   >  >>