قوله:{إِنْ كَادَ} بمعنى قَرُب، و {إِن} يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: إنها مخفَّفة من الثقيلة؛ لِأَنَّ {إِن} كما هو معروف لها معانٍ كثيرة، والَّذِي يعيِّنها السياقُ، تأتي نافيةً، وتأتي شرطيَّة، وتأتي زائدةً، ولا تأتي ناصبةً، الَّتِي تأتي ناصبة (أن)، لكنها هنا مخفَّفة من الثقيلة؛ لِأَنَّ أصلها (إنَّ) فخُففتْ، وإذا خُففت من الثقيلة لزِم أن يَكُون اسْمها محذوفًا، ولا نقول: مستتِر؛ لِأَنَّ الاستتارَ يَكُون بالفعلِ، أو بما هو بمعناهُ، لكِن نقولُ: محذوف، والتقدير: إِنَّهُ كاد لَيُضِلّنا، و (كاد) بمعنى قرُب، والصواب أن كاد تأتي بمعنى قرب، سواء كانت منفيَّة أو مثبَتة، وَأَمَّا قول بعض النحْويين: إن نفيَها إثبات، وإثباتها نفيٌ، فليس بصحيحٍ، كما حقَّقه ابن هشام في المُغْنِي (١)، بل هي دائمًا بمعنى القُرب، يعني: لقد قرب أن يُضِلَّنا عن آلهتنا، لكِن منع من هَذَا مانعٌ، وهو الصبرُ عليها، فهم في الحقيقة يُقرّون أن رسالة الرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خطيرة بالنسبة إليهم، لَكِنَّهُم يَتَمَدَّحون بأَنَّهُمْ ذوو صبرٍ بالغٍ عظيمٍ {لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} -يعني على عِبادتها- لكان الرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُضِلُّنا، والصواب
(١) مغني اللبيب عن كتب الأعاريب (ص ٨٦٨ وما بعدها)، ط. دار الفكر.