وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ:[لصرفنا عنها]، الأصحُّ أن نقول: لأَضَلَّنا عنها؛ لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ:{إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا}، والتقدير: لولا صبر موجود على هَذِهِ الآلهة لأَضَلَّنا عنها، قال ابن مالك رَحِمَهُ اللَّهُ (١):
(لولا) هَذِهِ شرطيَّة، وتأتي غير شرطية للتحضيضِ، ومرَّتْ قريبًا في هَذِهِ السورة، وكون (لولا) وهي لفظ وَاحِدٌ يأتي أحيانًا بمعنى التحضيضِ، وأحيانًا بمعنى الشرطِ، وكذلك (إن) وغيرها من الحروفِ؛ فهذا مما يؤيِّد ما ذهبَ إليه شيخ الإِسلام ابن تيميَّة أنَّهُ لا مجازَ في اللغةِ، وأن الَّذِي يُعَيِّن المعنى ويجعله حقيقةً أو غير حقيقةٍ السياقُ، فالكلمة في سِيَاقها، أو الجملة في سياقها حقيقة، لا تحتمل غير ما يُرادُ، وإنْ كانتْ قد تطلَق إطلاقًا آخرَ في معانٍ أُخرى، فـ (لولا) وجودها بجانب الفعل جعلها للتحضيضِ، ووجودها بجانب الجملةِ الاسْميَّة جعلها للشرطيَّة، فليست المعاني في الكلمات صفات ذاتيَّة، وإنما هي صفات إضافيَّة، ومعنى إضافية أي بحسَب ما تُضاف إليه، يعني حسب السياقِ، وبذلك نتخلَّص من الإِشْكالِ الَّذِي يَرِد علينا كثيرًا في بعض كلماتٍ في القُرْآنِ، حيث ننفي المجازَ ثم تأتينا كلمات أو جُمَل تُشكِل علينا، فإذا قُلْنا بهذا القول وقُلْنا: إن المعاني للألفاظ ليستْ من الصِّفات الذَّاتيَّة، وإنما هي من الصِّفات الإضافيَّة الَّتِي يعيِّنها السياق؛ نتخلص بهذا، ونقول مثلًا: قوله عَزَّ وَجَلَّ: {جَنَاحَ الذُّلِّ}[الإسراء: ٢٤]، الجَناح إذا أُضِيف إلى الطائرِ صارَ له معنًى، وإذا أضيف إلى الذلِّ صار له معنى، وكذلك قوله:{يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}[الكهف: ٧٧]، معناه: مائل للانقضاض، فالإرادة إذا أُضيفت