للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِذَا قُلْنَا: الظِّلّ ما بَيْنَ طلوعِ الفجرِ أو ما بَيْنَ وقتِ الإسفارِ إِلَى وقتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِنَّهُ يُقْبَضُ هَذَا الظِّلُّ شَيْئًا فشيئًا، لا يزال النورُ يَسْطَعُ تدريجيًّا حَتَّى تطلع الشَّمْس. هَذِهِ وَاحِدةٌ.

إِذَا قُلْنَا: المراد به الليلُ؛ فَهُوَ أَيْضًا يُقْبَضُ شَيْئًا فشيئًا، يَعْنِي لا يَكُون الليل فِي هَذَا اليومِ اثني عشْرة ساعةً، ويَكُون تسع ساعاتٍ في اليومِ الَّذِي يَليهِ، وإنَّما يُقْبَضُ شَيْئًا فشيئًا.

كَذَلِكَ إِذَا قُلْنَا: إن المرادَ بِالظِّلِّ ظِلُّ الشاخِصِ، فَهُوَ نفسُ الشَيْءِ، إنَّما يَتَنَاقَص شَيْئًا فشيئًا, وليسَ في الآيةِ إشكالٌ سِوَى قولِهِ: {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا}، {إِلَيْنَا} هَذِهِ الغايةُ فِيهَا إشكالٌ؛ لأنَّهُ كَانَ من المُمْكِن أنْ يُقْتصَر عَلَى قولِه: ثم قبضناه قبضًا يسيرًا، فما الحِكْمَةُ من هَذِهِ الغايةِ في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا}؟

بعضهم يَرَى أنَّ الضميرَ في قوله: {قَبَضْنَاهُ} أي الشَّمْس، باعتبارها دليلًا {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا}، أي: قبضنا هَذَا الدليلَ {إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا}.

وعلى كلِّ حالٍ يوجد احْتِمَالٌ أنَّ المرادَ مِن جَعْلِ الغايةِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إشارة إِلَى أنَّهُ هو المتصرِّف به، وأنه لا أحدَ يَستطيعُ أنْ يَتَصَرَّفَ بخلافِ ذلكَ.

ويوجد احْتِمَالٌ أَنَّهُ يُجْعَل المراد بقولِه: {قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا} يَعْنِي الدليل، أي الشَّمْس، ويَكُون المراد بالقبضِ إليه ما أشارَ إليه النَّبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في قولِه في حديث أبي ذَرٍّ: "فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ" (١).


(١) أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب صفة الشمس والقمر بحسبان، رقم (٣١٩٩)، ومسلم: كتاب الإيمان, باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان, رقم (١٥٩).

<<  <   >  >>