للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَائِدَة الخامسة: الاستدلال بالشَيْءِ عَلَى ضِدِّهِ، وبِضِدِّهِ يُعْرَفُ الضِّدّ، ويقولُ بعضهم (١):

وَبِضِدِّهَا تَتبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ

وذلك في قولِه: {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا}. وقولنا: الاستدلال بالشَيْءِ عَلَى ضِدِّهِ مُرادنا النِّعَم، ففيه معرفة قَدْر النعم بمعرفة ضِدِّها، وأن الْإِنْسَان يستدلّ عَلَى مقدار هَذِهِ النعمة بِضِدِّها.

الْفَائِدَة السادسة: إثباتُ مَشيئة اللَّه؛ لقولِه: {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا}.

الْفَائِدَة السابعةُ: أنَّهُ يَنبغِي للإنْسَانِ ألَّا يَجعلَ النِّعم أمورًا عاديَّةً لا بدَّ منها، بل يُقَدِّرها بِضِدِّها؛ لِقَوْلِهِ: {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا}، فإذا قَالَ الْإِنْسَان مثلًا: طلوع الشَّمْس عَلَى هَذِهِ الْأَرْض وغروبها عنها أمرٌ مُعتادٌ، نقول: نعم، هو أمرٌ معتادٌ، مِن أجلِ كونِه مُعتادًا لا يُحِسُّ الْإِنْسَان بأنه نِعمة، لكِن قَدِّر هَذَا الشَيْء بضده {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا}، إنَّ خروجَ النَّفَسِ من جسم الْإِنْسَان أمرٌ معتادٌ، ولهذا لا يُحِسُّ الْإِنْسَانُ بِقَدْرِ هَذِهِ النعمةِ، لكِن قَدِّر أن اللَّه لو شاء اللَّه لحَبَسَهُ، وحينئذٍ يَتبيَّن قَدْرُ النعمةِ. وقوله: {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} يَنْبَغِي أن يُجعَل هَذَا قاعِدَة لنا فِي كلِّ النِّعَم المعتادة الَّتِي نحنُ عِشنا عَلَيْهَا واعتدناها؛ فإننا لا نشكُّ بكونها نعمًا، لكِن علينا أن نقدِّر ضِدَّها حَتَّى نعرِفَ بذلك قدرَ نعمةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بهَذِهِ النعمِ المعتادَةِ.

الْفَائِدَتان الثامنة والتاسعة: إثبات رحمة اللَّه بوجود هَذِهِ النِّعم، لكنْ تنبيه الْإِنْسَان عَلَى الشكرِ إِنَّمَا يَكُونُ بذِكر ضدِّ هَذِهِ النعمِ.


(١) ديوان المتنبي، وصدر البيت: (نَذُمُّهُمْ وَبِهِمْ عَرَفْنَا فَضْلَهُ)، في ديوانه (ص ١٢٧).

<<  <   >  >>