للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قدرة اللَّه، حيث صُرِّف فِي محل دون محلٍّ، فالمهم أن تصريف هَذَا المطر فِي محل دون محل أو فِي سنة دون سنة هَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ سَبَب لتذكُّر الْإِنْسَان، إمَّا تذكّر النعمة إذا كَانَ ناسيًا، وإما تذكّر النقمةِ ومعاصيه إذا كَانَ ممتنعًا، وإمَّا تذكر القُدرةِ حينما يَعرِف أَنَّهُ فِي مكانٍ يَكُون غزيرًا وَفي مكان يَكُون قليلًا.

وقوله: {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} يَعْنِي امتنعَ أكْثَرُ النَّاسِ عنِ التذكُّرِ ولم يَزِدْهُمْ إِلَّا كُفرًا.

وقوله: {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ} أي أكْثر النَّاسِ أبَى، والأقلّ شَكَرَ وتَذكَّر واتَّعَظَ، ولكن أكْثَر النَّاس أبى إِلَّا أنْ يَكْفُرَ، والكُفْرُ ذَكَر المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ منه مثالًا وَاحِدًا، وهو قولُه: [مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا]، ويُستدَلّ لِمَا مَثَّلَ بِهِ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ بقولِ النَّبيِّ عَلَيه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حديث زَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ حينَ صلَّى بهم عَلَى إثرِ سماءٍ كانتْ مِنَ اللَّيْلِ فِي الحُدَيْبِيَةِ فَقَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ " قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ" (١)، فَهَذَا كُفْرٌ، وكيف يَكُونُ كُفرًا؟ لأِنَّهُ أضافَ المطرَ إِلَى أمرٍ لَيْسَ بسَبَبٍ، وجعل هَذَا من فضلِ هَذَا النَّوْءِ، وليس من فضلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو حرامٌ وكُفْرٌ كما جاء بِهِ الحديثُ.

أمَّا لو قَالَ الْإِنْسَان: (مُطِرنا فِي نَوْء كذا)؛ فيجوز لِأَنَّهَا للظرفية، وَأَمَّا (بنوء) فلا يجوز؛ لِأَنَّهَا للسَبَبيَّة، لكِن عند العامَّة -عامتنا هنا فِي نَجْدٍ- يجعلون (الباء)


(١) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية، رقم (٤١٤٧)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بيان كفر من قال: مطرنا بالنوء، رقم (٧١).

<<  <   >  >>