للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو مالًّا أو مُتْعَبًا، فلا يَكُون مناسبًا للدعوة، فاتْرُكْه وائْتِهِ فِي وقتٍ آخرَ، أَمَّا قوله تَعَالَى: {فَذكرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} فالعلماءُ مختلِفون هل (إنْ) شرطيَّة أو أنَّها لبيانِ حالهِم، يَعْنِي إن كانت الذكرى سَتَنْفَعُهم فذَكِّرْهُم، يَعْنِي هَؤُلَاءِ لَيْسَ فيهم خيرٌ، ولا تنفعهم الذكرى، مثلما تقول: عَلِّمه إذا كَانَ العلمُ يَنْفَعه، ولَكِن عَلَى كل حالٍ الأَصْل أن الشرطَ مقصودٌ، وأيضًا قوله عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ" (١) من هَذَا النوع، فهَذَا منَ الحِكْمَةِ، وليس المعنى: لا تحدِّثُونهم بما لا يعرفون؛ لِأَنَّهُ قَالَ: "أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ"، فالمعنى: اسْلُكُوا سبيلَ الحِكمةِ.

الْفَائِدَة الخامسة: أن عَلَى الداعي ألَّا يَرْبِطَ دَعْوَتَه بنتائجها، بمعنى أَنَّهُ لا يقولُ: إنْ وَجَدْتُ نتيجةً وإلَّا وقفتُ.

الْفَائِدَة السادسةُ: أن عدمَ استجابةِ المَدْعُوِّينَ للداعي لا يدلُّ عَلَى فسادِ قَصْدِهِ أو عَمَلِهِ، ولا يدل أَيْضًا عَلَى تقصيرِهِ، يَعْنِي إذا دعا الْإِنْسَانُ ولَكِنَّه لم ينجحْ، فلا يجوزُ لنا أنْ نَتَّهِمَهُ ونقول: هَذَا لو كانتْ نيَّتُه صالحةً لانتفعَ النَّاسُ بِهِ. إذَن هَذِهِ فائدة عظيمةٌ؛ لِأَنَّهُ ربما يَكُونُ من بعض النَّاس اعتراضٌ عَلَى الداعي، يقول: هَذَا الداعي نيَّته باطلةٌ، لو أن نِيَّته صحيحةٌ ما نفرَ النَّاسُ منه. فهَذِهِ فائدةٌ طيِّبةٌ.

الْفَائِدَة السابعة: تسليةُ الدُّعاة إذا قُدِّرَ أَنَّهُمْ لم يَنْجَحُوا مثلًا، فيقال: هَذَا النَّبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دعا هَؤُلَاءِ القومَ، وزادهم نفورًا، لَكِنْ كانتِ العاقبةُ له، فأنتَ اصْبِرْ وستكون العاقبة للمتَّقين.


(١) أخرجه البخاري: كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوما دون قوم، كراهية أن لا يفهموا، رقم (١٢٧).

<<  <   >  >>