للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} عِبَادٌ جمعُ عبدٍ، وأضافهم إِلَى الرَّحمنِ ولم يَقُلْ: عباد اللَّهِ، أو عباد الربِّ، وَمَا أَشْبَهَ ذلكَ إِشَارَةً إِلَى أن هَذِهِ العُبُودِيَّة الَّتِي اتَّصَفُوا بِهَا من آثارِ رحمةِ اللَّهِ، وأن اللَّه تَعَالَى رَحِمَهُمْ حَتَّى صاروا عبادًا له. وَفِي الإضافةِ أَيْضًا معنًى آخرُ {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} أي أَنَّهُمْ عبادٌ يَتَعَبَّدُونَ للَّه لِرَجَاءِ رحمتِه، وبرحمتِه أَيْضًا عَبَدُوه، لا يَتَعَبَّدُون رِيَاءً ولا سُمْعَةً، فهذا وجهُ الإضافةِ مَن الناحيتينِ؛ من ناحيةِ أن عِبَادَتَهُم للَّه كانتْ مِن مُقْتَضَيَاتِ رحمتِه، ومن ناحيةٍ أُخرى أَنَّهُمْ يَرْجُونَ بهَذه العِبَادَةِ رحمةَ ربِّهم، لا يرجونَ بذلك دنيا ولا دَفْعَ مَذَمَّةٍ عنهم، وإنَّما يَرْجُونَ بِهَذَا رحمةَ اللَّهِ.

وهَذِهِ العُبُودِيَّة خاصَّة؛ لِأَنَّ المرادَ بِهَا عُبُوديَّةُ الشَّرعِ، وعبودية الشرع خاصَّة بِمَن أتى بالشرعِ. أمَّا العامَّةُ فهي عُبوديَّة القَدَر، وَهِيَ الخُضُوع لِقَدَرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهَذِهِ عامَّة، كل أحدٍ خاضِعٌ لِقَدَرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لا يُمْكِن أنْ يَسْتَعصِيَ عليه، وَأَمَّا قول المُفَسِّر: [مبتدأ وما بعده صفات له] يَعْنِي: والخبر {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ} [الفرقان: ٧٥] ففيه نَظَرٌ، بل الصواب أن (عباد) مبتدأ، وخَبَرُه {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا}، وما بعدَه معطوف عليه، يَعْنِي عباد الرَّحمن هم الَّذِينَ يَمشُون عَلَى الْأَرْضِ هونًا إِلَى آخِرِهِ، ويَكُون قوله عَزَّ وَجَلَّ: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ} جملةً مُسْتَأْنَفَةً لبيانِ جزائِهِم وثوابِهِم؛ وذلك لأنَّنا إذا مَشَيْنا عَلَى ما قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لَزِمَ مِن هَذَا الفصلِ بَيْنَ المبتدأ والخبرِ بفواصلَ طويلةٍ، لا داعيَ لها، ولَزِمَ أنْ يَكُونَ الكَلامُ غيرَ تامٍّ حَتَّى نهاية {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا}.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} أيْ بِسَكِينَةٍ وتَوَاضُعٍ]، قوله: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} أبلغُ من (الماشون عَلَى الْأَرْض هَونًا)؛ لأنَّ الجملةَ الفعليَّة تَدُلُّ عَلَى الحُدُوثِ والتَّجَدُّدِ، يَعْنِي الذينَ فِي حالِ مِشْيَتِهِم يَمشُون

<<  <   >  >>