للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول المُفَسِّر: [{وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ} بما يَكْرَهُون {قَالُوا سَلَامًا}، أي: قولًا يَسْلَمُونَ فِيهِ مِنَ الإثمِ] وليس المراد (سلاما) يَعْنِي: السلام عليكم، كما يَظُنُّ بعضُ العامَّة، ولذلك تَسَلَّط الفعلُ عَلَيْهَا فَنَصَبَها، ولو كَانَ المرادُ بالسلامِ الجملة السلامية لقال: (قالوا: سلام)، ولَكِن المراد مثلَما قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [قولًا يسلمون فِيهِ من الإثمِ] ومن التطاوُلِ فِي الأذيَّةِ؛ لأنَّ الرجلَ إذا قابلَ الجاهلَ بمثلِ قولِه فالجاهلُ لا حدودَ له، لا يَحُدُّه شَرْعٌ ولا عقلٌ، إذا قَالَ كَلِمَةً أتاهُ بكلمتينِ، أو بعشَرةٍ، لَكِنه إذا كَانَ عاقلًا مؤمنًا مُتَّزِنًا فَإِنَّهُ يقولُ قولًا يَسْلَمُ فِيهِ مِنَ الإثمِ ومن الأذيَّة، وهذا القَوْلُ يَحْفَظُ للإنْسَانِ كَرَامَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لم يَقُلْ: إنهم يَسْكُتُون، بل قَالَ: قَالُوا قولًا، فلا بدَّ من قولٍ لَكِنَّه قولٌ يَسْلَمُون بِهِ من أذيَّة هَذَا الجاهلِ ومن إثمِه، ومن النزاع والخصومةِ، ويَنتصِرون لأنفسِهِم، فلا يحسبهم الجاهلُ جُبَنَاءَ ولا يحسبهم مُتَّصِفِينَ بما يقول إذا سَكَتُوا؛ لأَنَّهُمْ إذا سكتوا مع القُدْرَة عَلَى الإنكارِ فَإِنَّهُ يدلُّ عَلَى أَنَّهُمْ راضونَ بما وُصِفُوا بِهِ، ولا بدَّ من مُقَابَلَتِهِم، ولَكِنْ كما قَالَ اللَّه تَعَالَى بقولٍ يَسْلَمُ فِيهِ الْإِنْسَانُ منَ الإثمِ فيما بينَه وبينَ اللَّهِ، ومن اللَّجاج والخُصُومة فيما بينَه وبينَ هَؤُلَاءِ الجاهلينَ.

قوله: {قَالُوا سَلَامًا} مثالُ ذلك لو قَالَ له: أنت فاسِقٌ، أنت سَروقٌ، أنت كَذوبٌ، أنت كذا، ولا نستطيع أنْ نحدِّد؛ لِأَنَّ هَذَا يَرْجِعُ تحديدُه إِلَى الحالِ أو المقامِ الَّذي يَكُون فِيهَا الْإِنْسَانُ.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إذا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذا سكت عنه سَيَنتهِي؟

نقول: الآيةُ ما تعرضتْ لهذا، لكِن لو رُوعِيَتِ المصلحةُ فلا بأسَ، فهم هنا وَصفهم أَنَّهُمْ يَقُولُونَ قولًا يَسلَمون فِيهِ مِنَ الإثمِ، لكِن القَوْل أحسن فِي الغالبِ،

<<  <   >  >>